اعتبرت أوساط سياسية أن التيار الوطني الحر أمام خياراتٍ عدة في ما خص مقاربة مرحلة ما بعد “النكث بالوعد الصادق” من حليفه حزب الله، ولكل منها حساباتٌ واعتباراتٌ تُمْلي السير بها مباشرةً أو التريث في اعتمادها أو “نصف ذهاب إليها” على طريقة “رِجل في الورقة البيضاء” وأخرى في المنطقة الرمادية، وهي:
إما الخروج الكامل من “بلوك” الورقة البيضاء نحو تسمية مرشح محدّد وفي شكل معلَن، وهو ما تَحَكَّم به طوال الفترة الماضية أمران: أوّلهما أن طرح اسم لن يكون بطبيعة الحال فرنجية، سيعني حرْق “خط الرجعة” نهائياً إلى هذا الخيار الذي يحاول حزب الله إقناع حليفه بأنه قد يكون الأقل تكلفة عليه باعتبار أنه “يمون” على فرنجية لعقد تسوية أو صفقة يمكن للحزب أن يشكّل “بوليصة التأمين” لها.
أما الثاني فإنه بمجرّد تسمية التيار شخصية للرئاسة، لن تكون باسيل الذي لن يرمي نفسه في “محرقة الأسماء” المعدومة الحظوظ، فإن الأخير يكون كرّس تنازُله عن ترشّحه، وهو ما لم يسلّم به بعد وسط اعتبار خصومه أنه يرى في الفراغ المديد فسحة لإحياء فرصه خصوصاً مع الخارج.
وإما اعتماد خيار “التسرُّب المتعمّد” لأصوات من تكتله سواء نحو اسم مثل الوزير السابق زياد بارود، ولمَ لا رفْد مرشح المعارضة ميشال معوّض ببعض الأصوات الإضافية، ما يعيد كرة الضغط الرئاسي إلى ملعب حزب الله عبر البرلمان بعدما اعتمد الأخير الحكومةَ “ساحة رديفة” لتوجيه الرسائل لباسيل بالتزامن مع إشاراتٍ إلى عدم وجود «فيتو» على قائد الجيش العماد جوزف عون، في ما بدا محاولة لحشْر رئيس “التيار الحر” بين إما فرنجية أو الجنرال عون، وكلا الخيارين يقيسهما باسيل في ميزانِ زعامة سياسية قد تتمدّد لفرنجية و”يرثها” نجله من بعده (طوني فرنجية)، وزعامة شعبية يمكن أن يراكمها قائد الجيش من «كيس» قاعدة التيار الذي يميل تلقائياً للمؤسسة العسكرية التي كان على رأسها يوماً مؤسسه العماد ميشال عون.
وبأي حال، ستنكشف اليوم حدود “اللعب” بين “الوطني الحر” وحزب الله خصوصاً وهو ما ستترتّب عليه تبعات للمرحلة المقبلة رئاسياً وحكومياً، وسط أجواء متضاربة برزت أمس بعضها أشاع أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يستعدّ للسفر إلى السعودية لحضور “القمة العربية الصينية” التي تستضيفها الرياض غداً، سيعمد إلى دعوة الحكومة لاجتماع ثانٍ مستفيداً من فصْل “الوزير الملك” جورج بوشكيان من كتلة نواب الأرمن (هي جزء من التكتل النيابي لباسيل) ما يعني تحرُره بالكامل من أي قيود في تأمين نصاب الجلسات الوزارية.
ومن شأن إقدام ميقاتي على مثل هذه الخطوة وتغطيتها مجدداً من الثنائي الشيعي توجيه إشارة الى باسيل بأن الضغط التصاعدي سيستمر من ضمن “عض أصابع” يشتدّ مستفيداً من اقتناع بأن الهوامش ضيقة أمام رئيس التيار الحر لـ”الانفصال” عن حزب الله وان التحالف الاستراتيجي بينهما بات أعمق من فكه وإقناع الآخرين بذلك في الداخل والخارج.
في المقابل، برزت مناخات تشير الى أن حزب الله سيحاول “تبريد الأرض” السياسية مع باسيل وإعطاء فسحة من الوقت للأخير لاستخلاص عِبر ما رافق اول اجتماع للحكومة في عهد الفراغ الرئاسي “لأسباب قاهرة” معيشية، وأن الحزب سيتفادى “الاستفزاز الأكبر” لرئيس التيار الحر أقلّه في المرحلة الراهنة.