وفي هذا السياق، قدم الباحث الليبي طارق المجريسي عبر مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، قراءة للوضع الليبي، أكد فيها أن وصول الجنرال حفتر للسلطة في ليبيا عبر المفاوضات ليس هو الحل لعدم الاستقرار السياسي المستمر في ليبيا منذ سنوات.
قراءة عامة
ويقول المجريسي في مقاله إنه في "هذا العام بدأت القوات التابعة لحفتر تقدمها نحو جنوب ليبيا والسيطرة على حقول النفط الرئيسية، من المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى تحقيق رغبة حفتر بالسيطرة على كامل التراب الليبي، وهي رغبة تحظى بدعم دولي متزايد"، ومن هنا ينبغي أن يعترف العالم أن تقدم حفتر سينتج عنه في الغالب أعمال عنف متزايدة، وليس الاستقرار تحت سلطة حكومة واحدة، بحسب تعبيره.
ويشير الباحث الى أن "المجتمع الدولي وقف متفرجًا إلى حد كبير، منفصلًا عن الواقع على الأرض، ويحاول خلق وحدة سياسية بين سياسيين مهمشين: حكومة الوفاق الوطني، بزعامة فايز السراج، المدعوم من الأمم المتحدة، والتي تتمركز في طرابلس، وحكومة حفتر في شرق ليبيا".
ويلفت الى أنه "في 2019 كان انتشار القوات التابعة لحفتر، والتي يطلق عليها الجيش الوطني الليبي، في جنوب ليبيا سريعا بدرجة مذهلة، حيث سيطرت قواته على حقلي الشرارة والفيل النفطيين، واللذين ينتجان وحدهما ما يقرب من 400 ألف برميل يوميًا، ويشير الى أنه رغم جرأة هذه الخطوة وأهميتها فإنها ليست كافية لتغيير الوضع القائم.
ويقول الباحي في مجلة "فورين بوليسي" إن حفتر يسيطر بالفعل على أغلبية إنتاج ليبيا من النفط منذ عام 2016 كما يسيطر على المجلس التشريعي والحكومة المنبثقة عنه، لكنه أخفق في ترجمة هذا إلى موقع سياسي وقيادي في الحكومة المعترف بها دوليًا، وإن محاولته بيع النفط بشكل مستقل في حزيران 2018 قوبلت بمعارضة دولية منسقة أجبرته على التراجع.
ويتابع أنه بعد رفض مساعي حفتر للقبض على زمام السلطة قام الجنرال وداعموه بمحاولة أكثر دهاء للحصول على النفوذ بين الممسكين بزمام السلطة في طرابلس ولدى المجتمع الدولي الذي يقود العملية السياسية في ليبيا، فركزت الجهود الدبلوماسية بالتالي هذا العام على إبرام صفقة بين حفتر وحكومة الوفاق الوطني بزعامة السراج، مما أدى بشكل أساسي إلى تهميش المجلسين التشريعيين الليبيين في مسار يهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على دور حفتر في ليبيا.
ويشير الكاتب الى أنه بمجرد توقف هذه المفاوضات قام حفتر والقوات التابعة له بإطلاق العملية العسكرية جنوبي ليبيا، وهي العملية التي جرى التخطيط لها في الإمارات العربية المتحدة، أحد أهم داعمي حفتر.
وقد أعقب هذا، جولة جديدة من الجهود الدبلوماسية، حيث جرى إقناع رئيس شركة النفط الوطنية الليبية برفع حالة "القوة القاهرة" عن حقول النفط الجنوبية التي سيطرت عليها قوات حفتر، ما أضفى الشرعية على وجود حفتر هناك وعزز سيطرته على النفط الليبي.
وفي أواخر شهر شباط، تمكنت الإمارات العربية المتحدة من جمع السراج وحفتر مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا لإجراء مفاوضات جديدة تهدف إلى وضع اللمسات الأخيرة على صفقة سياسية، في ظل تمتع حفتر الآن بثقل أكبر، لكن حفتر غادر أبو ظبي دون الحصول على شيء قوي، ما يشير إلى أن السراج فعل ما يجيده، وهو المماطلة في المفاوضات لكسب الوقت، لكن السراج يتفاوض من موقف أكثر ضعفًا.
ما هي خيارات حفتر؟
واقعيًا، لدى حفتر الآن طريقتان لمقايضة مكاسبه الأخيرة في مقابل الحصول على مقعد رسمي على الطاولة، وهما: صفقة رسمية، أو فرض الأمر الواقع الجديد بالقوة العسكرية. الأولى هي الخيار الأسهل والمفضل. فرغم الصخب الذي يحيط بقوات حفتر، فإن الغزو الكامل لغرب ليبيا سيكون شاقًا وغير مضمون النتائج، وفق تحليل المجريسي الذي اعتبر أن تحرك حفتر أدى جنوبًا إلى جعل جيشه منتشرًا على مساحة واسعة، كما أصبح مسؤولًا عن الحفاظ على السلام في منطقة قبلية محرومة مزقتها النزاعات، وسيكون عليه أن يستمر في الإنفاق للحفاظ على ولاء القبائل والجماعات الأخرى التي اشتراها إلى جانبه.
ورجح الباحث أن يبقي حفتر باب المفاوضات مفتوحًا مع السراج، مشيراً الى ان هناك بعض الآليات التي يمكن أن تدمج جيش حفتر في هيكل الاتفاق السياسي الليبي من دون اشتراط الحصول على موافقة المجلس التشريعي في صلب المفاوضات الحالية، ويمكن تعديل مجلس الوزراء بشكل يوفر لحفتر النفوذ السياسي اللازم ليُعلن أنه القائد الأعلى للجيش الليبي.
ويرى المجريسي أنه بامكان إعلان تولي عبد الله الثني، رئيس وزراء الحكومة التابعة لحفتر شرق البلاد، رئيسًا لحكومة موحدة بينما يحتفظ سراج بدور رئاسي شكلي ويصبح حفتر مرة أخرى القائد الأعلى، ولكن مع تزايد الضغوط الدولية لإبرام اتفاق بين الجانبين، يبدو أن السراج سيكون هو الخاسر المحتمل في أي سيناريو.
ويختم المجريسي بالقول أنه يبدو أن الدول الداعمة لحفتر تمكنت من إقناع الأطراف الأخرى بأنه ينبغي الترحيب بحفتر بصفته الفاعل الوحيد القادر على كسر الجمود السياسي في ليبيا، وأن هذا التحول اصبح واضحًا من الدعم الواسع لإبرام صفقة بين السراج وحفتر، وهي الصفقة التي حصلت أيضًا على دعم من الولايات المتحدة.
وبينما كان أكثر مؤيديه ثقلًا في فرنسا والإمارات يجادلون منذ فترة طويلة بأن حفتر هو الرجل القوي القادر على تحقيق الاستقرار في فوضى ليبيا ما بعد الثورة، كان آخرون، مثل إيطاليا، يحذرون من تقلبات حفتر وإضفاء الشرعية على انتزاع السلطة.
وفي هذا الاطار يلفت المجريسي الى أنه رغم جهود حفتر الكبيرة فإنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد. كما أن رفض الجنرال حفتر قبول أي شيء أقل من موقف مهيمن على البلاد يغذي قدرة السراج على المماطلة وإطالة أمد المفاوضات، فكلما طال أمد التفاوض كلما ضعف الزخم الذي اكتسبه حفتر، والذي استمده من السيطرة على الأرض ومن صورته باعتباره الحل الذي يقدمه المجتمع الدولي للأزمة الليبية.
وعليه، يقول المجريسي إنه إذا لم يجر تحديد الصفقة قبل بدء "المؤتمر الوطني" للأمم المتحدة بشأن ليبيا في 14 نيسان الجاري فسيكون حفتر قد فقد فرصة كبيرة، ولن يؤدي هذا إلى دفع مؤيديه ووسائل الإعلام التابعة له إلى تشويه سمعة المؤتمر الوطني فحسب، بل قد يشجعه أيضًا على المخاطرة بحل عسكري.
ورغم هذه الأجواء المتعبة التي تحيط بالسياسة الحالية للبلاد فمازال هناك طيف واسع من الليبيين الذين يرفضون "الحفتراقراطية" وما يمكن أن تعنيه بالنسبة للدولة والمجتمع الليبي.
وإذا سعت الأمم المتحدة للتوصل إلى صفقة قبل أن تنضج، أو استغلت مؤتمرها الذي طال انتظاره لمحاولة تلفيق القبول الشعبي للصفقة، بدلًا من رسم خريطة طريق شاملة للمستقبل، فإنها قد تفقد مصداقيتها في البلاد وتبدد فرصة مهمة لإصلاح النهج الدولي في التعامل مع ليبيا.