نفط وتضخم
الأزمة السياسية في فنزويلا هي امتداد لسنوات من الإنهيار الإقتصادي الذي تعيشه البلاد بسبب التضخم والفساد. فالمواطنون يعانون من ظروف اقتصادية بسبب تضخم العملة البوليفارية، وتراجع الثقة بها منذ سنوات طويلة. والبنك المركزي الفنزويلي توقف عن إصدار التقارير الدورية المتعلقة بالتضخم منذ عام 2014. وذلك العام ربما كان نقطة البداية لما يحدث الآن.
مع نهاية صيف 2014 كان سعر برميل النفط مستقراً فوق 100 دولار أميركي، لكن استمرار الدول المنتجة في زيادة إنتاجها من النفط مقابل عدم وجود إقبال مواز من المستهلكين تفجرت فقاعة الأسعار بشكل كبير ليصل سعر البرميل إلى نحو 30 دولارا في مطلع 2016.
الفنزويليون كانوا أكبر المتأثرين بالإنخفاض في سعر النفط، فارتفعت معدلات التضخم في البلاد في الفترة نفسها من 64 بالمئة في أيلول 2014 إلى أكثر من 180 بالمئة في كانون الثاني 2016 (وهو رقم سيصل لاحقا بنهاية 2018 إلى 80 ألف بالمئة).
نيكولاس مادورو جاء إلى السلطة في نيسان 2013، قبل شهور على الأزمة النفطية، وفي مستهل حكمه منحه البرلمان الموالي له سلطات خاصة لمواجهة ما أسماه هو بـ"الحرب الإقتصادية" على بلاده. لكن، مع الإستمرار في سياسات الدعم التي انتهجها سلفه هوغو تشافيز رغم التراجع الحاد لواردات البلاد من النفط، احتلت فنزويلا صدارة تصنيف البؤس الذي يصدره معهد "كاتو" الأميركي، ويقيس معدلات البطالة وارتفاع الأسعار للمواطنين، لأربع سنوات متتالية بين 2013 و2016.
فساد وجوع
الحكومة الفنزويلية في مساعيها لمواجهة الأزمة الإقتصادية لجأت إلى طباعة النقود وزيادة رواتب موظفيها، ما انعكس سلباً، فقد ارتفعت معدلات التضخم.
مشروع تقارير الجريمة المنظمة والفساد، وهو كيان دولي غير هادف للربح، وصفت مادورو في 2016 بأنّه "شخصية العام" وهو لقب تمنحه لـ"أكثر فرد في العالم ساهم في زيادة أنشطة الجريمة المنظمة والفساد". المشروع أوضح أنّ مادورو وأسرته سرقوا ملايين الدولارات من الخزانات الحكومية لتمويل بقاءه في السلطة.
وأشار إلى أنّه اختار مادورو شخصية العام "بسبب حكمه الفاسد والقمعي الغارق في سوء الإدارة لدرجة أن المواطنين ... حرفياً في مجاعة ويتسولون الدواء".
الرئيس الفنزويلي ربّما هو الرابح الوحيد من تلك المجاعة، إذ أنّ المدعية العامة السابقة في البلاد لويزا أورتيغا دياز كشفت في 2017 أن مادورو هو المالك الفعلي لشركة مكسيكية تزود برنامج توزيع الغذاء الحكومي في فنزويلا بالمنتجات.
ثلاثة ملايين راحل
الجوع والفساد ونقص الدواء، دفعوا بالفنزويليين إلى الهجرة من بلادهم بأعداد غير مسبوقة. وأعلنت منظمة الهجرة الدولية في آب الماضي أن ثلاثة ملايين فنزويلي هاجروا من بلادهم إلى مختلف انحاء العالم، وبالأخص الدول الجارة في أميركا الجنوبية. وأكثر من مليون لجأوا إلى كولومبيا ونصف مليون إلى بيرو وغيرهم توزعوا بين الإكوادور وتشيلي والأرجنتين والبرازيل. كل هذا وأكثر كان دافعاً للفنزويليين إلى التظاهر والاحتجاج بشكل متصل/متقطع منذ 2017 وحتى الآن.
موجة التظاهرات الأخيرة بدأت الأربعاء ونظمها المعارضون والمؤيدون لمادورو كل لأغراضه، وشهدت. والتظاهرات سقط فيها 16 قتيلا خلال يوم الأربعاء وحده. وقال المرصد الفنزويلي للنزاع الإجتماعي لوكالة الصحافة الفرنسية إن 13 شخصاً قتلوا خلال يومين من الاضطرابات منذ الثلاثاء، فيما لا تزال تظاهرات 2017 التي قتل خلالها 125 شخصاً ماثلة في الأذهان.