أخبار عاجلة
النفط يستقر -

طرقات الموت المجاني... من يتحمل المسؤولية؟

طرقات الموت المجاني... من يتحمل المسؤولية؟
طرقات الموت المجاني... من يتحمل المسؤولية؟

صباح السبت الفائت، أي في "عزّ دين الويك أند"، غمر المازوت مسلكاً كاملاً من أوتوستراد حيويّ، يكاد يكون من دون بديل. في محلّة الذوق باتّجاه جونية، كان الوضع كارثياً. صهريجٌ ضخم أفرغ ما في جعبته من زيوت (ولا نزال غير مدركين السبب) فاكتسى أوتوستراد نهر الكلب بالمادة التي يكفي القليل منها لانزلاق أقوى السيارات. قُطع السير على المسلك الشرقي وتمّ تحويله إلى الطريق البحرية لوقت قصير، فعند ساعات الظهر كانت المركبات تعبر فوق المازوت والرمال التي وُضعت، ولو ببطء، بسبب الازدحام الذي حصل. غرفة التحكم المروري تغرّد: "نطلب من السائقين توخي الحذر وتخفيف السرعة (...) جراء تسرب مادة الزيت، وحركة المرور كثيفة في المحلة".

الثانية بعد منتصف الليل. صار الأحد، لكنّ روائح المازوت ما زالت عابقة. المازوت ما زال موجوداً، مخلوطاً بالرمال والأتربة. تعبر السيارات الأوتوستراد "اللزج"، وكأن شيئاً لم يكن. لا إشارات تحذيرية ولا حواجز لتخفيف حركة المرور قصداً.

يمرّ عصام نجيم بسيارته. يصطدم بأخرى. هنا، على الأوتوستراد "اللزج". يترجّل من سيارته ليطمئن السيدة ويخبرها بأنه سيتكفل بتصليح مركبتها. يتوّجه نحو سيارته ليأتي بالأوراق، فتصدمه سيارة وتقذفه أمتاراً. يهرب السائق. تحضر القوى الأمنية. ينقل الدفاع المدني إلى مستشفى المعونات في جبيل جثة رجل. إنه عصام نجيم. لقد توفي.

"إنها فاجعة بكل ما للكلمة من معنى"، تقول صديقة العائلة. تُخبر "لبنان24" أنّ "نجيم، وهو صاحب مطاعم provincial، رجل فريد من نوعه. كلّ من عرفه في حياته رأى فيه الإنسان المخلص، الكريم، الوفيّ، المحب، المعطاء، العصامي، والمؤمن".

ولنجيم ولدان. اليوم، هما يتيمان. فاجعة حقيقية. مصيبة أثارت أيضاً غضب كثيرين ممن ربطوا الحادث بوضع الأوتوستراد، علماً أن، وفق المعلومات الأخيرة، قام أحد المتسببين بوفاة نجيم بتسليم نفسه إلى القوى الأمنية، فيما صرّح وكيله بأن "الحادث المؤسف نتج عن تسرّب الزيت على اوتوستراد ذوق مصبح".

فهل فعلاً تسبب تسرّب المازوت على الطريق بوقوع الحادث وبالتالي وفاة نجيم؟! وهل من إهمال أو استخفاف بالتعاطي حصل من قبل المعنيين؟ وماذا يجب أن يحصل في حالات الطوارئ المماثلة؟

الأكيد، أنّ التحقيقات الأمنية ستأخذ مجراها وللقضاء الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع. لكن ماذا عن قضية التعاطي مع حادثة تسرّب الزيت على الطرقات: هل تمّ التصرف بشكل علمي ومدروس ومسؤول؟ من يتحمّل المسؤولية، وكيف السبيل إلى الوصول إلى برّ الأمان في حالات الحوادث الطارئة؟!

عندما تسرّب المازوت على الأوتوستراد، قامت بلدية ذوق مصبح بالاتصال بوزارة الأشغال، (المسؤولة عن الطرقات الدولية) وأبلغتها بما حصل. في حديث لـ "لبنان 24"، يقول رئيس البلدية عبدو الحاج أنه لم يكن صائباً انتظار وصول المعنيين في الوزارة (أو المتعهدين الذين تتعاون معهم) لأن الوضع كان يتطلب تحركاً سريعاً وفورياً، فقمنا بالتنسيق مع القوى الأمنية ومفرزة سير جونيه واتحاد بلديات كسروان بالتحرك ووضعنا الرمال على الطريق (وهو الإجراء الأوليّ المتبع في هذه الحال)، وأرسلنا عناصر الشرطة والحرس لمؤازرة القوى الأمنية في عملها.

ويكشف أنه، بناء على طلب القوى الأمنية، تمّ سكب المزيد من الرمال ليل السبت لأن الزيوت كانت ما زالت كثيفة، نافياً أن تكون وزارة الأشغال قد اتخذت أي إجراء في حينها.

أمرٌ ينفيه مصدر في وزارة الأشغال، مؤكداً في اتصال مع "لبنان24" أنّ الوزارة هي من فلشت الرمال على الطريق، "بس ما منعرف إذا بعدين البلدية كمان هي تحرّكت"!

المصدر الذي استهلّ كلامه بالقول"‘ إذا صهريج (...) فلت منو مازوت نحن شو النا علاقة؟ لازم يتحاسب صاحب الصهريج ونسأل كيف وقع منو الزيت!"، يعود ويؤكّد أنّ الوزارة عملت على تنظيف الطريق ومعالجة آثار تسرّب الزيت عبر وضع الرمال والبحص ومن ثم كنسها كي لا تتسبب بدورها بإعاقة المرور أو الحوادث نتيجة التزحلق، "وهذا كلّه ضمن الإمكانيات والقدرات والمعدات المتوّفرة، علماً أنّه هكذا تُعالج مثل هذه الحوادث".

لكنّ رئيس بلدية "الذوق" يؤكّد بدوره أن البلدية هي من تحرّكت واتخذت الإجراءات الضرورية، كاشفاً أنه تمّ الاتصال مجدداً بالوزارة أمس، ومن المقرر أن تُرسل معداتها إلى المحلّة للقيام باللازم ذلك أنه يُتخوّف من ظهور الزيوت مجدداً في حال أمطرت.

ويكشف رئيس البلدية أنّ بعض الحلول قد يكون بوضع مادة كيميائية لإزالة الزيوت كليّاً، أو من خلال حفر الطريق وإعادة تعبيدها مجدداً.

الخلاصة؟! ثمّة إجراءات اتخذت فعلاً، بصرف النظر عن الجهة التي قامت بها. الرمال فُلشت على الطريق، وتغريدات غرفة التحكم المروري التحذيرية كانت تتوالى. لكن هل كان ذلك يكفي؟ وهل تمتّ متابعة الوضع للتأكد من أن التدابير التي اتخذت كانت فعالة وتؤمن بالدرجة الأولى السلامة العامة؟

ولعلّ السؤال الأبرز: من قرّر أنّ الطريق باتت صالحة للسير؟!

يقول رئيس البلدية إن المولج قطع الطريق في حال تطلّب الأمر ذلك هي القوى الأمنية، وليس للبلدية دوراً في تقييم وضع الطريق الدولية. عال. يقول المصدر في وزارة الأشغال إنّ "القوى الأمنية أيضاً هي من يجب أن تقطع الطريق"، معقباً: "لو تمّ قطع الطريق لحلّت المشكلة".

ولكن، إذا كانت القوى الأمنية هي من يقع على عاتقها قطع الطريق وتأمين السير، فمن هو المولج بدور تقييم الوضع ليبنى على الشيء مقتضاه؟! أليست الوزارة، بمهندسيها والعاملين الفنيين لديها، المسؤولة عن رفع تقرير علمي يلحظ وضع الطريق وما إذا كانت آمنة، أقلّه بالتنسيق مع القوى الأمنية؟!

لا يبدو أنّ لدى المصدر في وزارة الأشغال إجابات كافية. يكتفي بالغضب متهماً الإعلام "بالتفلسف" على خبراء الوزارة، أو بالتدخل في ما لا يعنيه.

حسناً. المشكلة واضحة. ليس في لبنان إدارة علمية وواضحة للتعامل مع الحالات الطارئة. فبالإضافة إلى معزوفات تبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليات ومحطات الإهمال والاستخفاف بالتعاطي مع وقائع طارئة أو مستجدة، يبرز غياب التنسيق بين الجهات المعنية وتكاد تكون الأدوار والمهمات المنوطة بكل جهة غير واضحة، وهذا كلّه بسبب غياب الإدارة.

في هذا السياق، يطرح رئيس الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم في حديث لـ"لبنان 24" أسئلة كثيرة ليس حول الحادث الذي أودى بحياة نجيم كونه لا يملك المعطيات كافة ولأن للقضاء الكلمة الفصل، بل حول موضوع التعاطي مع الحالات الطارئة على الطرقات اللبنانية من منظور علمي.

يقول:" كيف تتم إدارة الحالات الطارئة في لبنان عند حصولها؟ ما الذي يمكن أن نفعله بغية تأمين السير، ولكن الأهم، بغية تأمين السلامة العامة".

لا يكفي، بحسب ابراهيم، اتخاذ الإجراءات الآيلة إلى تأمين السير، على أهمية هذا الموضوع سيّما في ظلّ واقع الطرقات في لبنان وغياب البدائل في أحيان كثيرة، ولكن أيضاً علينا أن نفكّر في حماية الناس بالدرجة الأولى. برأيه، هذا الأمر يجب أن يتمّ من خلال التنسيق بين المعنيين كافة: الوزارات المعنية، البلديات، القوى الأمنية، وسائل الإعلام…

إذاً، اتخاذ الإجراءات مهم، شرط أن تكون هذه الأخيرة فعالة وصحيحة. لا يُعقل، على سبيل المثال، وضع كرسي أو دولاب لسدّ جورة في الطريق! الأهمّ من التحرّك الآني والفوري، بحسب ابراهيم، هي المتابعة.

يقول: "تقع الكارثة. حسناً. لكن كيف نديرها؟! وهل حقاً تزيل التدابير التي تتخذ أولياً الخطر كلّه"؟

يعرج على قضية تسرّب المازوت على أوتوستراد نهر الكلب، ويسأل: "هل كان يجب فتح الطريق أمام السيارات على رغم بقاء الزيوت في مكانها؟ وفي حال لم يكن وارداً إقفال هذا الشريان الحيوي، سيّما في الويك أند، ألم يكن واجباً اتخاذ إجراءات إضافية تفضي إلى تخفيف سرعة المركبات (من خلال حواجز أو إشارات ولافتات تحذيرية) ومواصلة بثّ التحذيرات عبر الإعلام… إلى حين التأكد من أنّ الطريق باتت آمنة بالكامل؟! ويضيف سائلاً: "يُطرح اليوم السؤال الأهم: من كشف على الطريق وقام بتقييمها وقرر إعادة فتحها أمام السيارات بشكل طبيعي؟ هل من رفع تقريراً"؟

بحسب ابراهيم، تتخذ القوى الأمنية إجراءات فورية غالباً، كأن تعمد إلى قطع الطريق عند وقوع الحوادث وتبليغ المواطنين بذلك وما إلى هنالك. لكنها أيضاً تقوم بجهود لا تدخل ضمن مهامها مثل وضع الرمال على الطرقات أو فتح المجاري، وهي مشكورة طبعاً. ولكن في المقابل لوزارة الأشغال الدور الأساس والرئيس، إذ يجب على الفنيين فيها تقييم وضع الطريق ووضع الإشارات واللافتات التحذيرية سواء كان ذلك في الحالت الطارئة أو عند القيام بالأشغال...".

يعطي مثالاً: "هددّ الجبل عند نفق شكا بكارثة. تمّ تقييم الوضع ميدانياً. تبين أن الخطر كبير. اتخذ القرار بإقفال الطريق وإيجاد بدائل…"خلصت"!

واضحٌ إذاً أيضاً، أن ثمة استنسابية في التعاطي. في أحيان يتمّ التصرّف بكل مسؤولية وحكمة، وفي أحيان أخرى يغيب كلّ ذلك. المشكلة حتماً، في غياب ادارة الحالات المرورية الطارئة والتي تلحظ وضع خطة تتضمن تحديد الأدوار وتوزيعها وكيفية التصرّف في كلّ حالة.

لا يهمل ابراهيم التطرّق أيضاً إلى أهمية وعي المواطن وسلوكه أثناء القيادة. يسأل: "هل يتقيّد اللبنانيون بالإرشادات والقوانين على الطرقات؟! هل مثلاً يتمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة مثل ارتداء السترة الصفراء ووضع مثلث التحذير وتشغيل الإشارات عند التواجد في منطقة خطرة أو عند الاضطرار إلى التوقف إلى جانب الطريق لطارئ ما؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أميركا للبنان: أعلنوا وقف إطلاق النار من جانب واحد!