توجهت الأنظار إلى بكركي التي جمعت النواب الموارنة في دارها، بعدما استفحلت أزمة تأليف الحكومة وباتت تهدّد البلاد والعباد بتداعياتها الكارثية. ثمّة من رأى أنّه بمجرد انعقاد لقاء بين الموارنة في بكركي وصدور بيان ختامي عن اللقاء، هو نجاح بحدّ ذاته بصرف النظر عن العناوين الفضفاضة التي طبعت البيان وآليات ترجمتها على أرض الواقع. فهل نجح اللقاء في تقريب وجهات النظر المتباعدة حكومياً؟
تعثُر مسار تأليف الحكومة يقلق سيّد الصرح البطريركي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي لم ينفك يطالب بحكومة اختصاصيين تنقذ البلاد من الأخطار المحدقة، بعدما تفاقمت الأزمة وتحوّلت إلى أزمة وطنية شاملة، وباتت تهدّد البلد برمته ليس في المجالات المالية والإقتصادية فحسب، بل في بنية وتركيبة النظام. وكلمة الراعي الإفتتاحية خير دليل على رغبة بكركي في السعي لتقريب وجهات النظر، على قاعدة "اللّهم أني بلغت".
هدف سيّد بكركي يختلف عن حسابات ضيوفه، وباستثناء المصافحة بين الوزير جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لم يخلُص المجتمعون إلى أيّ تقارب يمكن البناء عليه حكومياً، لا بل أنّ المناكفات التي رُصدت على هامش اللقاء جعلت الخلاف يتمظهر بشكل جلي بين القوى المارونية.
بدا واضحاً أنّ "التيار الوطني الحر" يدفع باتجاه انتزاع غطاء ماروني لمطلبه الحصول على الثلث المعطل في الحكومة، تحت شعار "دعم الرئاسة الأولى"، في مقابل جبهة ليست بقليلة أفشلت مثل تلك المحاولة، و"التيار الوطني الحر" لم يخفِ نواياه بل جاهر بها على طاولة بكركي، من خلال مداخلات نواب تكتل "لبنان القوي"، بحيث حاول هؤلاء تسويق طرحهم من باب وجوب دعم الحاضرين لرئاسة الجمهورية كونها الرمز الأوّل للموارنة، وهذا الدعم قال النائب ابراهيم كنعان "هو قوّة للبنان، ويجب أن لا يختلف عليه إثنان من الحاضرين في هذا اللقاء".
ما تفادى نواب التكتل قوله بصريح العبارة، قاله الوزير جبران باسيل في مداخلته "هناك أساسيات لا يجب ان نختلف عليها، وأهمها حصة رئيس الجمهورية وحقّه ونوعية الرئيس لناحية أن يكون للرئيس حيثية وتمثيل شعبيين... لم نطالب بالثلث المعطل فهذا حقّنا لناحية عدد النواب، كما اننا لَم نأتِ الى هنا لحشر أحد ولا لطلب الدعم من أحد.. ولا نريد تكريس تنازلات إضافية".
إذن الثلث المعطل حلّ ضيفاً غير مرغوب فيه بالنسبة لأكثر من مكون سياسي في هذا اللقاء، وصراحةُ باسيل سبقتها صراحة مماثلة من قبل فرنجية، الذي تساجل مع النائب زياد أسود "لم نأتِ إلى هنا لدعم الثلث المعطل لرئيس الجمهورية... الحكومة بتمشي اذا بيتخلى التيار عن اسم واحد". لا بل أكثر من ذلك تقصّد فرنجية الإيحاء بأنّ "حزب الله" لا يوافق على الثلث المعطل وأنّ نفسه طويل، وبالتالي لا يمكن لباسيل أن يراهن على تراجع الحزب عن رفضه ذلك، مستغلًّاً عامل الوقت "يجب التخلي عن الوزير الـ11 لأنّ حزب الله صبور ولن يتراجع". وفق تعبير فرنجية.
خلاف ضيوف بكركي الموارنة على ثلث باسيل المعطل بقي على حاله، وما رفضوه خارج بكركي لن يقبلوا به تحت سقفها، ولو من باب إحراجهم بواجب دعم الرئاسة الأولى كونها الموقع الماروني الأوّل، وتفادياً للمثالثة، وصدر البيان الختامي خالياً من أيّ إشارة إلى حصة رئيس الجمهورية وحقّه بالتمثيل الوزاري.
ولعّل تغريدة النائب الآن عون بعد انتهاء الإجتماع، أبرز مؤشر على الفشل في الخروج بمقاربة مارونية حكومية، من شأنها أن تخرق جدار الأزمة الحكومية، بحيث كتب عون على حسابه على "تويتر": "لقاء النواب الموارنة في بكركي: تقارب في المشكلة العامة للنظام، وتباعد في المشكلة الخاصة بالحكومة".