أين أصبحنا حقاً؟ في أي حضيض؟!
لم يقل الفنان اللبناني راغب علامة في أغنيته "طار البلد" شيئاً جديداً أو كاذباً. الجميع بات يعرف ويشعر بأن "البلد"، وكما قال السياسيون، "على كفّ عفريت". لكن، للنائب حكمت ديب، رأي آخر. كأن به يعيش في كوكب آخر. حلو التفاؤل. ومهمٌ الدفاع عن "الوطن" وعن "البلد" أيضاً. لكن أن يعلّق سعادته بالقول رداً على الأغنية أنّ صاحب الأغنية "لازم يطير راسو"، فهذه مصيبة.
المصيبة ليست أنّ نائباً في البرلمان اللبناني ينكر الواقع ويجهد في تجميله، ليس دفاعاً عن البلد بل عن "عهد" أو حزب من هنا أو تيار من هناك وحسب، بل هي أيضاً في مكان آخر أكثر خطورة على البلد وشعبه على حدّ سواء.
المصيبة أنّ ردّ النائب فيه من العنف ما يُحتمّ إعادة النظر في أحقية عضويته في البرلمان، حتّى لو كان ما تفوّه به مجرد "زلّة لسان" أو حماسة زائدة حتمها حبّه لهذا البلد! لا يمكن، في بلد يرفع شعار الحريات ويحارب الإرهاب وقطع الأعناق، أن تمرّ كلمات نائب يمثل الشعب، وفيها هذا الكمّ من "الدعشنة" والحقد، مرور الكرام.
والمصيبة أنّ مثل هذه العبارة، سوف تمرّ مرور الكرام! اليوم، ثمة من يُسخّف الأمر، عبر تغريدات وتعليقات يكتبها بحرية مطلقة على وسائل التواصل الإجتماعي، مهاجماً الفنان، "صديق السياسيين" والمستمتع بأمواله وشقته الفاخرة، ومحاولاً الإيحاء بأنه وأمثاله لا يمكنهم التكّلم بلسان مواطن موجوع ولا حثّ هذا الأخير على رفع الصوت بوجه طبقة حاكمة تنهش عظمه. المصيبة يا ناس، أنّ استعمال هذه اللغة المليئة بالعنف والموت والسوداوية باتت تحتمل، في نظر البعض، صوابية فيما لو تغيّر اسم الشخص أو وضعه الاجتماعي أو طائفته أو انتمائه السياسي!
نحن في حضيض عميق إذاً. نحن في زمن داعشي بامتياز.
وبعد…
زياد أسود، عضو في مجلس النواب اللبناني، يغرّد معلقاً على الأحداث التي تشهدها فرنسا قائلاً:"على الدولة الفرنسية أن تستعين بخبرة اللبنانيين لفرط المظاهرات لأن استمرار النظام في مداورة المعالجة باللمس للمتظاهرين المشبوهين و المجنسين يؤدي إلى أضرار أكبر لفرنسا .اقضوا الحاجة بالاستعانة بتجربة الحراك المدني في أيامه الأخيرة الشبيهة بما يحصل الان و من بعدها اطردوهم".
هل تتخيّلون كم بات الحضيض فسيحاً؟!
مصيبة أسود أنه، وبخلاف ديب، قد لا تُسعفه محاولة التذرّع بـ "زلّة اللسان" أو "التسرّع"، لكون موقفه مكتوباً بعدد معيّن من الأحرف يحدده عصفور تويتر الأزرق. المصيبة الكبرى أنّ نائباً، لا يفكّر في أبعاد ما سيكتبه للتوّ أمام الملايين، ولا في مضمونه وما يخفيه من مشاعر ومعتقدات! وعليه، هل يمكن أن تُغتفر عنصريته؟ هل يمكن تفهّم وقبول أسلوبه في قمع التظاهرات وغضب الناس؟!
المصيبة أيضاً وأيضاً، أنّ ديب وأسود ليسا أول من يكشف عن الحضيض الذي وصلنا إليه. قبلهما، تفوّه كثيرون من أصحاب المواقع والسلطة وتصرفوا بداعشية وعنصرية ولاأخلاقية، ومضت الأيام من دون محاسبة ولا من يقف وفي قلبه ثورة ضدّ الظلم وضدّ انتهاك الحقوق والإنسانية والوطنية.
مئتا يوم بلا حكومة، وقبلهم سنوات من البلد الطائر لا في الأحلام بل في دوّامة كوابيس وقهر. مئتا يوم والبلد مشلول وغارق في الفساد والديون والقمع والوجع. يقول الشاعر نزار فرنسيس في أغنية " طار البلد" لراغب علامة:" مش بالبكي بيرجع وطن ضائع". ولكن في حضرة هذا "الواقع"، يبدو من الأفضل العودة إلى ما كتبه للموسيقار الكبير الراحل. فلننتحب: "صار بدنا حريق"!