بدأت المشكلة بين حركة "فتح" وتنظيم "أنصار الله" وعلى رأسه سليمان قبل في منتصف الثمانينات، تحديداً في معركة إقليم التفاح حيث وقف سليمان إلى جانب "حزب الله" مقاتلاً ضدّ فتح وحلفائها في تلك المعركة ومساهماً بحماية ظهر الحزب آنذاك.
بعد إنتهاء معركة الإقليم عاد سليمان إلى مخيم المية ومية مكرساً تنظيمه الأقوى عسكرياً في المخيم لتأتي بعده حركة "فتح" ومن ثم حركة "حماس".
علاقة سليمان المتوترة بفتح تخللتها فترات تقاطع مصالح، فقد خاض "أنصار الله" معركة ضدّ مجموعة تابعة لأحمد رشيد، كانت تطرح نفسها بإعتبارها حركة إصلاحية تابعة لـ"فتح"، وإستطاع سليمان إنهاء هذه الحالة الأمر الذي أراح "فتح" من دون أن يؤدي ذلك إلى تطبيع العلاقة بينهما.
بإستثناء معركة "أحمد رشيد" حافظ المية ومية على إستقراره سنوات طويلة، كما أن "أنصار الله" كرسوا أنفسهم تنظيماً شرعياً يزور السفارة الفلسطينية في لبنان، وينسق مع الدولة اللبنانية، كل ذلك إستمر حتى المعركة الأخيرة التي يبدو أن قرارها اتخذ على مستويات عليا.
وتتحدث مصادر مطلعة أن قرار سحب تنظيم "أنصار الله" من مخيم عين الحلوة اتخذ على مستوى رفيع في السلطة الفلسطينية، وتربط المصادر "العمليات العسكرية التي إندلعت في المخيم، وبين ما يُحكى عن صفقة القرن، خصوصاً إذا صحّ ما قيل عن تعهد أحد قادة السلطة الفلسطينية بمساهمة أجهزة السلطة بمكافحة الإرهاب في الداخل والخارج".
وتقول المصادر أن 3 وفود أمنية أميركية زارت قبل أسابيع تلال بلدة مغدوشة المطلة على مخيمي المية ومية وعين الحلوة.
وترى المصادر أن القرار بإنهاء أنصار الله يهدف بشكل رئيسي إلى إبعاده بوصفه حليفاً لـ"حزب الله" عن طريق عام الجنوب لأهمية هذه الطريق أمنياً وعسكرياً للحزب، كما لإرتباطها الوثيق بعملية التنقيب عن النفط في بلوكات الجنوب.
وتضيف المصادر: "قبل أربعة أشهر بدأ الحراك العسكري الجدّي لـ"فتح" في المية ومية، وهذا ما لم يكن مألوفاً في السنوات الماضية، حيث تم إستقدام عناصر لدعم مراكز الحركة من مخيمات أخرى مع وقوع إشتباكات محدود ومتفرقة، إلى أن إشتعلت المعركة الأخيرة".
وتقول المصادر أنه بعد مهاجمة حركة "فتح" مواقع "أنصار الله" قرر سليمان الردّ بشكل كبير فإستهدف مواقع "فتح" بثلاثة صواريخ 107، وسيطرت مجموعته نارياً على غالبية أحياء المخيم.
عندها تدخل "حزب الله" متمنياً على "أنصار الله" عدم إستخدام أي أسلحة صاروخية في المعركة، تجنباً لأي معركة شاملة يقوم بها حليفه (أنصار الله) مع حركة "فتح" وما تمثله في الوجدان الفلسطيني وفي التوازن الداخلي اللبناني.
وتعتبر المصادر أن "حزب الله" الذي أبلغ "أنصار الله" أن القوة الصاروخية تستخدم فقط في أي حرب قادمة مع إسرائيل، يعلم جيداً أن حليفه الفلسطيني يملك قوة عسكرية تمكنه من حسم أي معركة في المخيم غير أنه لا يستطيع السيطرة الدائمة عليه لعدم إمتلاكه أي عمق حيوي وإستراتيجي.
وتشير المصادر إلى أن الحزب طلب أيضاً من سليمان ضرورة البقاء مع أنصاره داخل المربع الأمني التابع له في المخيم، وعدم التمدد إلى خارجه، وهذا ما حصل مما أدى إلى محاصرته بشكل كامل ومنع أي نوع من الإمدادات من الوصول إليه بما فيها الطعام والكهرباء.
غير أن الإشتباكات إستمرت رغم كل المبادرات التي طرحت لوقف إطلاق النار، والتي قام بها كل من محمد الجباوي ممثلاً الرئيس نبيه برّي، والشيخ ماهر حمود، والتنظيم الشعبي الناصري وحسن حب الله ممثلاً "حزب الله"، إذ أكدت "فتح" في حينها أن طرفاً ثالثاً يفتعل تلك الإشتباكات.
في تلك المرحلة، أي نهار السبت في 27 تشرين الأول الماضي، بدأت بعض وسائل الإعلام تنقل عن مصادر فلسطينية إصرارها على خروج أنصار الله من مخيم المية ومية بالكامل تحت الضغط العسكري، لكن المصادر أكدت لـ"لبنان 24" أن مساء اليوم نفسه أرسل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله موفداً عنه إلى السفارة الفلسطينية في بيروت، متدخلاً بشكل شخصي.
ونقل موفد نصرالله المعروف بإسم "بلال" رسالة حازمة وواضحة تقول بضرورة وقف إطلاق النار والمعارك حماية للمخيمات وللفلسطينيين ولقرى الجوار، متعهداً بضبط أي ردود فعل من قبل "أنصار الله"، وعلى هذا الأساس عقد صباح الأحد 28 تشرين الأول إجتماع في السفارة الفلسطينية، أدخل بعده الطعام إلى المربع الأمني الذي يتمركز فيه جمال سليمان، إضافة إلى إنتشار قوة أمنية وظيفتها تثبيت وقف إطلاق النار.
هكذا أنهت رسالة نصرالله المعارك في المخيم من ظهر الأحد حتى أمس الثلثاء (6 تشرين الثاني) حيث تلقى أمين عام تنظيم "أنصار الله" إتصالاً هاتفياً من موفد نصرالله، نقل له تحيات الأمين العام لـ"حزب الله" مؤكداً أن الحزب إستطاع تأمين ملجأ آمن له ولبعض العناصر التابعين له والذين حولهم إشكاليات أمنية.
مبادرة نصرالله قضت أيضاً بتسلم نائب أمين عام "أنصار الله" ماهر عويّد مسؤول التنظيم في عين الحلوة وإبن شقيقة سليمان، مسؤولية التنظيم في المية ومية مع عدد من أنصاره، وهذا ما بدأ تنفيذه عند الساعة السابعة من مساء أمس وإنتهى عند الساعة 12:15 بعد منتصف الليل، حيث إكتملت عملية الإستلام والتسليم، نقل بعدها سليمان بمواكبة "حزب الله" إلى خارج المية ومية، وقيل أنه وصل إلى سوريا.
ووفق المعلومات فإن سليمان خرج برفقة 17 شخصاً من بينهم ناصر غضبان، محمود حسنين، عمر غالي، محمد الخطيب، محمود عباس، فتحي غالي ومحمد غالي إضافة إلى عدد من أبنائه وأحفاده.
وقد لاقت المبادرة التي تسلم خلالها عويدّ مراكز التنظيم والمسجد إضافة إلى النادي التابع له، إستحساناً عند فتح نظراً للعلاقة الجيدة التي تربطه بها وبكافة الفصائل الفلسطينية التي تعتبره شخصية مقبولة وغير إشكالية.