مع ذلك، يخفّف الديراني من وطأة المشكلة، إذ إن "لبنان يستورد 95% من الثروة الحيوانية لتلبية حاجاته الغذائية، معظمها من أوروبا والبرازيل"، ما يعني، بحسب رأيه، أن "أغلب المواشي التي تذبح صالحة للاستهلاك". وبالأرقام، هي تساوي "ما نسبته 90% من المواشي المذبوحة". في الجزء المستورد، "لا مشكلة". يؤكد الديراني. أما المشكلة، فهي في "القطيع البلدي الذي لا يخضع للفحوص الدورية، وهو معرّض لكافة الأمراض". ويقدّر عدد القطيع البلدي "بحوالى 40 ألف رأس بقر حلوب، والعدد تقريباً نفسه بالنسبة للأغنام"، وهذه "مشكلة خطيرة"، على ما يؤكد الديراني.
بين المسالخ والملاحم
في لبنان، يشبه «قطاع» اللحوم غيره من القطاعات. فيه من يلتزم معايير السلامة العامة، ولو بالحدّ الأدنى، وفيه من لا يعير تلك المعايير أهمية. تبدأ الحكاية من المسالخ التي يفترض أنها المكان الصالح لذبح المواشي وتوزيعها، وما يتبع تلك العملية من رقابة. في هذا الجزء من القطاع ــــ وهو جزء أساسي بطبيعة الحال ــــ ثمة ما يشي بأن الوضع ليس على ما يرام. ففي لبنان، يوجد نحو 60 مسلخاً، بحسب مسوحات وزارة الزراعة، قليل جداً منها مرخّص، فيما الجزء الوافر لم يستحصل على التراخيص اللازمة. استناداً الى هذا الواقع الذي تتحمل وزارة الزراعة جزءاً من المسؤولية تجاهه، يحدث أن "لا تضبط المواصفات"، وخصوصاً أنه في الأماكن غير المرخصة "يمكن أن تكون عملية ذبح الأبقار والأغنام والماعز خارج المسالخ المرخص لها مشكوكاً في سلامتها الغذائية لأنها غير مراقبة من طبيب بيطري، يفترض أن يكون المسؤول عن سلامة المواشي وفحصها قبل ذبحها". مع ذلك، يترك الديراني حيّزاً لحسن النيّة، مشيراً إلى أنه "يمكن ضبط الأمور في المسالخ ــــ المرخصة وغير المرخصة ــــ كون غالبيتها تضم أطباء بيطريين".
لكن، لما كانت المسالخ لا تلبي حاجات المواطنين كافّة إلى اللحوم، كان اللجوء إلى الملاحم الصغيرة. هكذا، انتشرت هذه الأخيرة في كل مكان، في المدن والأرياف، حتى بات إحصاؤها يفوق طاقة الوزارة! في تلك الملاحم، الصغيرة بمعظمها، لا رقابة على الحيوانات من قبل طبيب بيطري، وأغلب ما يذبح فيها من القطيع البلدي الذي لا يخضع في الغالب للفحوص. أما الجزء الآخر، فيشتريه أصحاب الملاحم من المزارع التي تستورد الحيوانات. لكن، حتى هنا تكمن مشكلة تتعلق بأن بعض تلك الحيوانات معرّضة للإصابة بالأمراض "المقيمة"، لأن "الحيوان، كالإنسان، يتعرّض للعديد من الأمراض المعدية والسارية والفيروسية". وفي بعض الأحيان، لا تظهر بوادر بعض الأمراض على الحيوانات، وغالباً ما يعتمد الجزّار للدلالة على صلاحية الحيوان للذبح على ملاحظة نشاطه وحيويته (قوة البنية وما إذا كان يأكل ويشرب ويستطيع الوقوف…). لكن هذه "الملاحظة" لا تعني أن الحيوانات سليمة وجاهزة للذبح.
وبغضّ النظر من أين تأتي تلك المواشي، هناك احتمال كبير بأن تصاب بالأمراض، حتى لو جاءت سليمة من المصدر. وهنا، يشير الديراني إلى أن "أغلب الأغنام التي تأتي من سوريا، مثلاً، سليمة، لكنها قد تمرض، والقطيع الذي يمر عبر المعابر الشرعية اللبنانية قد يمرض بالأمراض الموجودة في لبنان". ومن هذه الأمراض "طاعون المجترات الصغيرة" المعدي، وهو مسجل في لبنان وسوريا.
الأخطر أن الحيوانات المريضة غالباً ما تعطى أدوية من دون مراجعة الطبيب البيطري. "فمن لديه 30 رأس بقر يعالجها كما نعالج نحن البشر أنفسنا لدى إصابتنا بأنفلونزا، إذ نأتي بالدواء من الكونتوار وإلا ما بتوفي مع المزارعين" وفق نقيب الأطباء البيطريين في لبنان زكي عبود. أكثر من ذلك، فإن نسبة كبيرة من الحيوانات المريضة تباع للملاحم قبل موتها. وحتى تلك التي تعطى دواءً بناءً على إشارة الطبيب البيطري، كثيراً ما تذبح قبل فترة "السحب" أو فترة "الأمان".
لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.