صحيفة الجمهورية
ينتظر أن تكون الساعات المقبلة حاسمة على جبهة الاستحقاق الحكومي، فإمّا تأليف حكومة جامعة أو بمَن حضر، وإمّا تأجيل آخر لهذا التأليف، خصوصاً اذا طرأت مطالب أو عقد جديدة لم تكن في حسبان المعنيين، غير عقدتي تمثيل حزب «القوات اللبنانية» و«نوّاب سُنّة 8 آذار»، اللتين ما تزالان قيد الدرس وستبقيان كذلك على ما يبدو الى ربع الساعة الأخير من القرار بتأليف الحكومة أو تأجيله، والذهاب الى جولة جديدة من المشاورات.
أجمعت كل المعلومات، التي رشحت من المقار الرئاسية مساء أمس، أنّ مراسيم تأليف الحكومة الجديدة ستصدر بين مساء اليوم وقبل ظهر غد على أبعد تقدير، حيث انّ المعنيين ينتظرون لإصدار هذه المراسيم رَدّ «القوات اللبنانية» على الحصة التي عرضها الرئيس المكلف سعد الحريري في طبعة نهائية، والتي تضمّ نائب رئيس الحكومة ووزارات العمل والشؤون الاجتماعية والثقافة.
وسيعقد تكتل «الجمهورية القوية» اجتماعاً استثنائياً في معراب الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم، لاتخاذ القرار النهائي في موضوع المشاركة في الحكومة من عدمها في ضوء العرض المقدّم لـ«القوات». وسيعقب هذا الاجتماع في الثانية عشرة والنصف مؤتمر صحافي، يعلن فيه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الموقف النهائي «القوّاتي» من الشأن الحكومي.
ولم تستبعد مصادر مشاركة في الاتصالات أن يكون الموقف «القواتي» قبولاً، لأنّ «القوات» قد لا تستسيغ البقاء خارج الحكومة لـ4 سنوات، إذ انّ التوقعات والدلائل تشير الى أنّ ولاية الحكومة العتيدة ستدوم طوال ولاية مجلس النواب التي تنتهي في 20 أيار 2022.
أمّا على صعيد تمثيل «نوّاب سنّة 8 آذار» فإنّ الصورة في شأنه مشوّشة، وهي تميل الى السواد، إذ لم يرشح من أوساط الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي زار الأردن لساعات أمس، أنّ لديه رغبة بتمثيل هؤلاء، وأنّ الامر عنده سيقتصر على مبادلة مقعد وزاري سنّي بمقعد ماروني بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وفيما ينتظر أن يكون الوزير الماروني بمقعد وزاري هو وزير الثقافة الحالي غطاس الخوري، لم يعرف ما اذا كان عون سيسمّي للمقعد السني أيّاً من النواب السنّة العشرة غير المنتمين الى تيار «المستقبل»، ورشح أنه يميل الى توزير شخصية وسطية سنّية بينه وبين حلفائه، بعد استبعاد فكرة اختيار شخصية سنية منتمية الى «التيار الوطني الحر».
وقد أظهرت المواقف التي أعلنها الحريري إثر عودته من المملكة العربية السعودية، وخلال مشاوراته التي كان أبرزها لقاؤه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء السبت، انه عاد من الرياض بتشجيع على الاسراع في تأليف الحكومة، وهو خرج من عين التينة ليتحدث عن «عقدة صغيرة» ما تزال تعوق التأليف، مؤكداً انّ الحكومة ستولد «خلال أيام».
ورشح من أجواء عين التينة انّ الحكومة ستولد اليوم او غداً على أبعد تقدير، سواء شاركت فيها «القوات» و»نواب سنّة 8 آذار» أو لا. وقالت مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري انه أبلغ الى المعنيين بالتأليف رأيه بوجوب أن تكون الحكومة جامعة، وخصوصاً لجهة تمثيل «سنّة 8 آذار»، وانّ الكرة هي في ملعبهم في هذا الصدد.
لا اختراقات نوعية
وفي انتظار زيارة الحريري الى بعبدا اليوم، إستبعدت مصادر مطبخ التأليف لـ»الجمهورية» ان تحمل تشكيلة الحريري اختراقات نوعية خارج ما كان متوقعاً. وأكدت انّ الصيغة ستأتي خالية من اي توزير لسنّة 8 آذار، خصوصاً انّ الحريري رافض هذا الأمر بنحو قاطع، في اعتبار هؤلاء يشكّلون «كتلة اصطناعية» مجمّعة من مجموعة كتل نيابية (1 من كتلة الرئيس بري، و1 من كتلة «حزب الله»، و2 من كتلة تيار المردة، وفي المحصّلة يبقى 2 مستقلّان). أمّا كرة توزيرهم فهي في ملعب رئيس الجمهورية، علماً بأنّ احتمال قبوله بإشراكهم على حساب الحصة الرئاسية هو احتمال ضعيف.
امّا في ما خَصّ التمثيل الدرزي، فرجّحت المصادر أن يختار رئيس الجمهورية وزيراً من اللائحة التي قدّمها الوزير طلال ارسلان، وهو أمر فَسّره البعض على انّ الوزير المُختار سيكون من حصة رئيس الجمهورية، وبالتالي تصبح حصة «التيار الوطني الحر» مع رئيس الجمهورية 11 وزيراً، أي «الثلث المعطّل».
وبالنسبة الى «القوات» تقول المصادر نفسها انّ الكرة حالياً في مرماها لتحدد ما اذا كانت ستقبل بـ»العرض الأخير»، ما يعني مشاركتها بحصّة أقل بكثير ممّا كانت تريده، أو ترفض العرض ما قد يعني وجودها خارج الحكومة. وهو أمر سيتحدد اليوم في اجتماع قيادة «القوات».
وقالت مصادر متابعة في 14 آذار لـ»الجمهورية» انه في حال عدم مشاركة «القوات» في الحكومة، «فمعناه فشل لأسباب عدة، من بينها انّ «التيار الوطني الحر» يطعن حلفاءه أولاً، وانّ الحريري سيكون أمام حكومة من 8 آذار ثانياً، إذ ستنتفي المعارضة، فبعض من سيعارضون ستكون معارضتهم شخصية لا سياسية، لأنهم جزء لا يتجزّأ من فريق 8 آذار».
بري
في هذا الوقت، أعرب بري عن أمله في «أن نشهد اليوم الخواتيم الايجابية وتولد الحكومة».
ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، قال بري: «يجب ألّا نفوّت الفرصة المُتاحة حالياً لتوليد الحكومة، إذ لم يعد هناك ما يبرّر أبداً التأخير في تشكيل حكومة تضمّ الجميع، او في تضييع مزيد من الوقت من عمر البلد وإبقائه في قعر الفراغ، وانعدام القدرة على مواجهة الكَمّ الهائل من التحديات والازمات التي يعانيها».
وإذ أشار بري الى انّ منسوب التفاؤل لديه مرتفع أكثر من أي وقت مضى، تِبعاً للمعطيات التي يملكها، وكذلك وفقاً لِما سمعه من الحريري، سأل: «لو كانت الحكومة قد تشكّلت خلال الاشهر الماضية، ألم يكن ذلك أفضل للبلد؟». وكشف بري انه، ومن باب الحَضّ على التأليف، أبلغ الى الرئيس المكلف قوله ما مَفاده «إذا أعلنت الحكومة يوم الاثنين (اليوم)، إن شاء الله، فيكون الخير في ما يحصل، ولكن إن لم تعلن الاثنين فسأوجّه الدعوة فوراً الى جلسة تشريعية للمجلس النيابي، خصوصاً انني بادرتُ قبل أيام الى توزيع جدول أعمال الجلسة على النواب. وأيضاً إن أعلنت الحكومة الاثنين، وتأخّر إعداد البيان الوزاري لهذه الحكومة لأكثر من أسبوع، فسأبادر الى الدعوة الى جلسة لمجلس النواب. علماً أنّ البيان الوزاري يفترض ألّا يكون مشكلة، في اعتبار انه سيكون مُرتكزاً بشكل أساسي على مضمون بيان الحكومة السابقة. (راجع صفحة 5).
جعجع
في غضون ذلك، قال جعجع: «مَن لديه خصوم كالذين لدينا يجب ألّا يقلق كثيراً على المستقبل. فهم يتبجّحون اليوم بانتصارات وهميّة لأنهم متعطّشون الى انتصار في مكان ما، وأتَت انتخابات اليسوعية لتعطيهم في بعض الأماكن وتأخذ منهم في أماكن أخرى كثيرة، إلّا أنهم يحاولون تصويرها على أنها محصورة في الأماكن التي أعطتهم ويتناسون كل الأماكن الأخرى».
باسيل
من جهته، أكد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «أنّ الحكومة ستُشَكّل مهما عرقلوها ومهما ساهموا في تأخيرها، وسيكون للبنان حكومة وحدة وطنية. وهذا لا يكون انتصاراً لأحد على الآخر، بل انتصار للعدالة ومعايير التمثيل واحترام إرادة الناس التي لا يمكن الاستقواء عليها».
وقال: «عندما يصمّم اللبنانيون سينتصرون، وسيكون لديهم الحكومة التي تمثّلهم وعلى شاكلتهم ووفقاً لنسَبهم وليس وفقاً لنسَب غيرهم».
الراعي
من جهته، توجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى رئيسَي الجمهورية والرئيس المكلّف «وكل القوى السياسية في لبنان»، بالقول: «آن الأوان لأن يصبح عندنا حكومة»، مضيفاً: «أنا كنتُ دائماً أقول، وما زلت، لا يوجد أي مبرّر للتأخير منذ اليوم الأول، ولا نستطيع إكمال الطريق هكذا، والعالم كله يتساءل هل نحن معنيون بوطننا أم غير معنيين؟ وهل اللبنانيون يهمّهم وطنهم أم لا؟».
ورداً على سؤال هل يمكن أن تبصر الحكومة النور بلا «القوات اللبنانية»؟ أم أنّه سيكون هناك تسوية في هذا الموضوع؟ قال الراعي: «إذا كانوا يتكلمون عن حكومة وحدة وطنية، فمعنى ذلك أنّها ستضمّ كل القوى السياسية وتتمثّل بها، وإلّا لا يمكننا أن نسمّيها حكومة وحدة وطنية، فالوحدة الوطنية لا تكون محصورة ببلوكات نيابية، التي فازت في الانتخابات. أريد أن أشير إلى أنّه ماذا نفعل بـ51% من الذين لم يشاركوا في الانتخابات النيابية، وهم من غير الحزبيين؟ فهؤلاء الـ51% هم بمثابة نصف الشعب اللبناني، ألا يحق لهؤلاء المشاركة بالحكومة؟ فإذا كنّا نتحدث عن حكومة وحدة وطنية، فمعنى ذلك أنّ كل القوى السياسية في لبنان، الحزبية وغير الحزبية، يجب أن تشارك بهذا الوطن الذي هو بحاجة لكل سواعد أبنائه اللبنانيين».