إيلي الفرزلي – الأخبار
عندما مرّر مجلس الوزراء، في جلسته الأخيرة قبل تصريف الأعمال، مناقصة الـ850 ميغاواط، إنما أراد أن يحقق ما عجز عن تحقيقه خلال سنوات. لكن سعي وزارة الطاقة وإدارة المناقصات لتنفيذ القرار، أظهر أنه قرار متسرّع غير قابل للتنفيذ، لما يشوبه من تناقضات. بعد خمسة أشهر من القرار، اقتنع الجميع بأن لا خيار سوى أن تنتظر المناقصة تشكيل الحكومة الجديدة لتعود إليها مجدداً
بالرغم من أن مجلس الوزراء قد سعى في جلسته الأخيرة قبل تصريف الأعمال إلى تمرير مناقصة جديدة لشراء الطاقة بقدرة نحو 850 ميغاواط طارئة ومستعجلة في موقعي دير عمار والزهراني، إلا أنه يبدو أن هذه المناقصة لن تسلك طريق التنفيذ قبل تشكيل الحكومة الجديدة. دون البدء بإجراءات تنفيذها الكثير من العقبات التي جعلت خمسة أشهر تمرّ من دون تحقيق أي تقدّم جديد يسمح ببدء إدارة المناقصات بإعلان المناقصة وتسلُّم العروض.
فقرار مجلس الوزراء الذي نصّ على تمديد مهلة تقديم العروض إلى 10 أسابيع (كان في المناقصة التي أُلغيت 3 أسابيع) ومهل تسليم الطاقة إلى حدود تسعة أشهر (كانت ستة أشهر)، وكذلك الأخذ بالاعتبار ملاحظات إدارة المناقصات (على دفتر شروط المناقصة الأولى)، فرض سقفاً لا يمكن تخطيه لإجراء المناقصة، هو موافقة إدارة المناقصات عملياً على دفتر الشروط المُعَدّ من قبل وزارة الطاقة.
بناءً عليه، فقد شهدت القضية أخذاً وردّاً بين الوزارة و«المناقصات»، دخلت الأمانة العامة لمجلس الوزراء على خطه، وأدى في النهاية إلى تجميد المناقصة إلى حين إجراء وزارة الطاقة للمقتضى القانوني، ربطاً بالملاحظات التي قدمتها إدارة المناقصات للمرة الثانية (20/8/2018). وبالتالي، إن استمرار التباين بين الجهتين، إضافة إلى صعوبة الأخذ ببعض التعديلات دون العودة إلى مجلس الوزراء، سيعني عملياً طيّ الملف وانتظار عرض الأمر على مجلس الوزراء مجدداً.
يوحي السياق الذي مرت به المناقصة أن الطريق أمامها سيكون مسدوداً، فمنذ أعلنت وزارة الطاقة دفتر الشروط معدلاً، تبين أن هذه التعديلات لم تكن كافية بالنسبة إلى إدارة المناقاصات (6/7/2018). صحيح أن ملاحظاتها الأساسية قد روعيت (زيادة مهل التقديم والتسليم)، إلا أن الشيطان كمن في التفاصيل، ولا سيما أن قرار مجلس الوزراء المتسرّع، حمل من الغموض ما يكفي لنسف المناقصة، على ما تظهر المراسلات التي جرت بين وزارة الطاقة والأمانة العامة لمجلس الوزراء وإدارة المناقصات.
أبرز عناصر هذا الغموض كان إدخال خيار استجرار الطاقة كأحد الخيارات المطروحة في المناقصة، إلى جانب خيارَي البواخر والمعامل على البر. وهو غموض يضاف إلى تمييز دفتر الشروط بين خيارَي البر والبحر، ففيما يحدد الدفتر أماكن رسو البواخر ويقدمها مجاناً، إلا أنه يترك خيار تحديد الأرض للعارضين، «على أن تتوافر فيها الشروط الفنية الملائمة وفقاً لتقدير وزير الطاقة والمياه، وفي حال اقتراح منشآت على أرض خاصة تستوفي الشروط المذكورة آنفاً، سيطلب من مجلس الوزراء تأمين استعمال هذه الأرض».
أما بشأن خيار الاستجرار الذي طرحه مجلس الوزراء، فقد اعتبرت وزارة الطاقة، في كتابها إلى إدارة المناقصات في 8 آب الماضي، أنه لا يمكن أن يكون ضمن مناقصة يتقدم إليها القطاع الخاص، أما لماذا طرح الاستجرار كأحد الخيارات، فتوضح الوزارة أن المراد منه أن يكون مؤشراً على المقارنة مع الأسعار التي ستنتج عن استدراج العروض.
بالمحصلة، وبحسب دفتر الشروط المعدل، يكون خيارا البر والاستجرار خيارين شكليين لا يمكن أن ينافسا الخيار الجدي الوحيد، أي خيار البواخر. وهو ما يعني أن مسألة فتح الخيارات التي تحدث عنها قرار مجلس الوزراء غير ممكنة التطبيق ووضعت لتمرير القرار ليس أكثر.
توسيع الخيارات، بحسب قرار مجلس الوزراء، طاول أيضاً مسألة المحروقات (غاز، فيول، ديزل)، إلا أن وزارة الطاقة رأت أن خيار الغاز ليس خياراً فعلياً، لأن العقد ينص على تحويل الطاقة، أي أن تأمين المحروقات يكون على عاتق الدولة التي تستورد لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان نوعين من المحروقات فقط، هما الفيول الثقيل والديزل، وبالتالي لا يمكن استخدام أنواع أخرى من المحروقات في استدراج العروض (بحسب كتاب وزير الطاقة إلى رئيس مجلس الوزراء في 6 تموز).
لم تقتصر المراسلات على وزارة الطاقة وإدارة المناقصات. الأمانة العامة لمجلس الوزراء دخلت أيضاً على خط تفسير قرار المجلس، خلافاً لصلاحياتها. وقد أشارت في كتاب صدر بتاريخ 7 آب إلى أن موضوع الاستجرار، كما توسيع خيارات المحروقات، جاء في القرار الحكومي على سبيل الاستطراد. علماً أن الأمانة العامة للمجلس، كانت قد أكدت أن توسيع الخيارات أمر واضح وحصل وفقاً لما أدلى به الوزراء (26/7/2018)، أضف إلى أن صيغتي القرار الأولى والمصححة، حافظتا على العبارة نفسها (توسيع الخيارات).
ليس توسيع الخيارات سبب عرقلة سير المناقصة، فقيمة الضمان المؤقت بقيت على حالها في دفتر الشروط الجديد (50 مليون دولار)، بالرغم من أن إدارة المناقصات كانت قد اقترحت خفضه إلى عشرين مليون دولار. وهذا أمر كفيل بإلزام الجميع بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة، إذ أشار الأمين العام لمجلس الوزراء في كتابه الثاني (7/8/2018) إلى أن تعديل قيمة الضمان غير ممكن إلا بالعودة إلى مجلس الوزراء، لوجود قرار سابق للمجلس يحدد هذه القيمة بـ50 مليون دولار (24/8/2017).
العجلة لا تبرر مخالفة القانون
يتّهم العونيون رئيس إدارة المناقصات جان العلية بعرقلة خطة الكهرباء، «خدمة لأجندات سياسية». يلمّحون إلى كونه يجاري حركة أمل في هذا الأمر، و«دليلهم» على ذلك «تسريبه لملاحظاته على بعض دفاتر الشروط إلى الإعلام قبل وصولها إلى وزارة الطاقة»، إضافة إلى استيضاحاته الكثيرة التي تكون أحياناً «بلا جدوى». في المقابل، تؤكد مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان أن العلية يطبّق القانون. فحتى لو قرر مجلس الوزراء أو وزير تحمّل مسؤولية أمر مخالف للقانون، فإن الموظف، سواء في الهيئات الرقابية أو في أي موقع إداري، يبقى مسؤولاً، بشخصه، عن المخالفة، ولو أن رؤساءه الإداريين أو في السلطة التنفيذية قرروا مخالفة القانون. ويرد متابعون لملف الكهرباء على اتهامات العونيين بأن المشكلة ليست في العلية ولا في تمسّكه بالقانون، بل في مجلس الوزراء الذي يقرّر إجراء المناقصات تاركاً في قراراته الكثير من المخالفات. ويرى هؤلاء أن الحاجة الملحة والعاجلة إلى الاستثمار في إنتاج الطاقة أو شرائها لا تبرر المخالفة، إذ في مقدور مجلس الوزراء الالتزام بالنصوص القانونية، عبر تعديلات طفيفة على قراراته، تحميه وتحمي الموظفين والهيئات الرقابية والمشاريع المقرّة معاً.