نقولا ناصيف – الأخبار
لا يحمل الرئيس سعد الحريري رقماً قياسياً في تنكّبه تأليف الحكومة. دخوله الشهر السادس يظل رحيماً بازاء سلفه الرئيس تمام سلام، مع ان العراقيل التي جبهها نفسها تقريباً تعصف بالخلف. كذلك قبلاً سلفاه الرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة
في التجربة الحالية للرئيس المكلف سعد الحريري، خلافاً لحكومة 2016 كما الحكومات الخمس التي سبقته منذ عام 2005، الى جانبه الاحتياط السنّي الثقيل: رؤساء الحكومات السابقون. اسلافه القريبون اذا كان لا بد من استثناء الرئيس سليم الحص.
منذ تكليفه، يطل هؤلاء مرة تلو اخرى للدفاع عن «صلاحيات رئيس مجلس الوزراء» والردّ على حملات يُعتقد انه يواجهها، او تحاول الانتقاص من صلاحياته الدستورية: تارة بالقول ان الفاعل هو رئيس الجمهورية ميشال عون، وطوراً بإلقاء التهمة على وزير الخارجية جبران باسيل ابرز مفاوضيه لكونه صهر الرئيس يسعه التفاوض باسمه احياناً او لكونه رئيس الكتلة النيابية الكبرى في البرلمان منتزعاً هذا الامتياز من تيار المستقبل بعدما قبض عليه منذ عام 2005.
منذ التكليف، اجتمع الرؤساء السابقون للحكومة، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، مرتين بالحريري في بيت الوسط في 30 حزيران، ثم في 21 تشرين الاول، واصدروا في المرة الثالثة موقفاً في 4 ايلول استهجنوا بياناً اصدره رئيس الجمهورية ضمّنه «ملاحظات» على مسودة اولى لحكومته سلمها اليه الحريري في اليوم السابق 3 ايلول. انتقدوا ما سمّاه الرئيس معاييره، واخذوا عليه ما عدّوه انتقاصه من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، ودقوا جرس إنذار استهداف طائفتهم وموقعها في الدستور والنظام. ردّدوا ذلك ايضاً في مواقف منفردة.
لم يسبق ان اجتمعوا لسبب مماثل في محطات تكليف اي منهم. الا انهم فعلوا اكثر من مرة ابان التحضير لعزل المفتي السابق للجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني عامي 2013 في حكومة ميقاتي وكان ثالث ميقاتي والسنيورة الرئيس عمر كرامي، و2014 في حكومة سلام. مع ذلك لم يكن ما قدمه المفتي المتقاعد للسنيورة قليل الاهمية، يوم أمّ الصلاة في السرايا على رأس وفد من المشايخ السنّة في 2 كانون الاول 2006، غداة اعتصام قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر في الوسط التجاري لبيروت. سُجّلت حينذاك سابقة كان يصعب هضمها تحت وطأة نزاع مذهبي سنّي ـ شيعي، سارع السنيورة الى محاولة استيعابها، بدعوته مفتي صور وجبل عامل السيّد علي الامين في 13 نيسان 2007، كي يؤم المصلين ايضاً في القاعة الكبرى في السرايا. في ما بعد قال قباني ان اقتحام السرايا «خط احمر»، صابغاً اياها باللون السنّي.
في المواقف الاخيرة للرؤساء السابقين، تنديد بمحاولة الاعتداء على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، واصرارهم على انه هو – ولا احد سواه – يؤلف الحكومة التي سيرئس، من دون ان يتمكن اي منهم ما بين عامي 2009 و2014 ان يكون كذلك بين فريقي 8 و14 آذار.
قد لا يكون هذا الدفاع مبرّراً بالقدر الكافي تبعاً لملاحظات، منها:
1 – «الرئيس المكلف» غير «رئيس مجلس الوزراء». ما دام في مرحلة مفاوضات تأليف الحكومة، فالرجل ليس سوى رئيس مكلف، ولم يمسِ رئيساً لمجلس الوزراء.
2 – لا يمكن مطابقة صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الواردة في الدستور على انها اضحت حقوق الرئيس المكلف واختصاصاته. ما لم يصدر مرسوم تعيينه رئيساً للحكومة يوقعه رئيس الجمهورية منفرداً، لا يعدو كونه رئيساً مكلفاً تبعاً لبيان التكليف المسند الى الاستشارات النيابية الملزمة. بصدور مرسوم التعيين يصبح رئيساً لمجلس الوزراء صاحب كيان دستوري، حاملاً اللقب، ويقتضي ان يذهب وحكومته الى مجلس النواب لنيل الثقة كي يباشرا ممارسة السلطة.
في ما مضى حمل الزعيم الاول المتقاعد نور الدين الرفاعي لقب «دولة الرئيس»، وحُسب رئيساً لمجلس الوزراء مع صدور مرسوم تعيينه وحكومته، مع ان عمرها لم يدم لأكثر من ثلاثة ايام، ما بين 23 ايار 1975 و26 منه، حينما استقال في الجلسة اليتيمة لحكومته، فلم تمثل امام مجلس النواب. لكنه اضحى رئيساً سابقاً للحكومة. قبله، نائب طرابلس امين الحافظ عُيّن في 25 نيسان 1973 رئيساً للحكومة، ومارس وحكومته السلطة قبل المثول امام مجلس النواب، بيد انه اخفق في الوصول الى ابوابه. استقال رئيسها في 14 حزيران، وُعدّ رئيساً سابقاً.
قبل تجربتي 1973 و1975، سابقة مهمة تعود الى عام 1952، فيها كل عِبر الصدام بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عندما يبلغا الحائط المسدود. حاول الرئيس بشارة الخوري تأليف حكومة يواجه بها معارضيه، فاصطدم بمقاطعة سنّية عامة. كلّف ناظم عكاري تأليفها فأبصرت مراسيمها النور في 9 ايلول 1952 من دون ان تمثل امام البرلمان. ثم استقالت. تلتها في 14 ايلول حكومة صائب سلام لم تمثل بدورها، واستقالت في 18 ايلول. حاول الشيخ بشارة تكليف حسين العويني ترؤس الحكومة فاعتذر، فذهب اذذاك الى خيار قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب. عامذاك، للمرة الاولى، حمل عكاري وسلام صفة رئيس مجلس الوزراء بعدما صدرت مراسيم تعيينهما وحكومتيهما، بينما لم يحز العويني الصفة الا عام 1951 عندما ترأس الحكومة الثلاثية. كان ذلك الفارق الحتمي بين رئيس مكلف وآخر ممارس.
لا يفوت الكلام هنا القول ان صدور مرسوم التعيين عن رئيس الجمهورية، جعل شهاب رئيساً سابقاً للحكومة بتوقيع الشيخ بشارة عام 1952، والعماد ميشال عون رئيساً سابقاً للحكومة عام 1988 بتوقيع الرئيس امين الجميّل. كلتا الحكومتين لم تمثلا امام مجلس النواب، وجيء بهما في ظروف استثنائية.
يصر الرؤساء السابقون للحكومة على ما لم يتمكّن أيّ منهم من القيام به
بعد اتفاق الطائف لا رئيس مكلفاً اعتذر عن تأليف الحكومة الا الحريري نفسه، في حكومته الاولى عام 2009. أُعيد تكليفه، فألّفها.
3 – لا صلاحيات للرئيس المكلف، وهو لا يرث – بمجرد تكليفه – الصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء، كون استقراره في المنصب غير محسوم وغير نهائي. صدور المرسوم وحده يمنحه لقب «دولة الرئيس». ليس في الدستور صلاحية للرئيس المكلف سوى ما تنص عليه الفقرة 4 من المادة 53 (توقيعه مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية)، والفقرة 2 من المادة 64 (اجراء استشارات تأليف الحكومة)، على ان الدستور يفرد فقرات المادة 64 في تحديد صلاحيات «رئيس مجلس الوزراء» تارة و«رئيس الحكومة» طوراً، كما في مواد اخرى، انطلاقاً من قاعدة ان الرجل كرّس مرسوم تعيينه كيانه الدستوري.
في بساطة، تقتصر صلاحيات الرئيس المكلف على التأليف او الاعتذار، وعلى رئيس مجلس الوزراء ممارسة السلطة وفق اختصاصاته او الاستقالة. والبون بين الاثنين شاسع.