فؤاد مخزومي
أرحّب بمعالي وزير الإقتصاد في حكومة تصريف الأعمال الأستاذ رائد خوري، ووزير الاقتصاد السابق الدكتور ناصر السعيدي، والخبراء والمواطنين المدركين لخطورة الأوضاع والمهتمّين بالبحث عن حلول أو باستمرار الحوار الإيجابي والنافع.
تهدد بلدنا عواصف اقتصادية جمة، لكن باستطاعتنا أن نعتبرها تحديات نواجهها ولا نسمح لها أن تكون مكلفة وهدامة.
القرار بأيدينا، ولهذا السبب دعونا لهذا المؤتمر لنتحدث بصراحة ونضع أخيراً يدنا على الجرح ونبحث عن العلاج، بدل أن نلقي الاتهامات ونتبادل الشكوى.
رأينا العديد من المسؤولين الذين حاولوا التصدي للأوضاع الصعبة وفجأة تراجعوا عن تصريحات مرتكزة على دراسات صرفوا عليها من المال العام، لكنهم تحت الضغط تصرفوا كأنها لم تكن.
واليوم، يحذرنا البنك الدولي من مشكلة كبيرة بسبب غياب الشفافية، ولا يمكننا أن نتجاهل هذا التحذير وأن نبقى دائماً مغيبين عن ما يحصل من حولنا. مغيبون عن المليارات التي تصرف والعروض السخية من الشركات العالمية التي ترفض ويتم التعتيم على عروضها.
عندما عدت إلى لبنان في التسعينيات وجدت أن إعادة الإعمار تتم من دون رؤية شاملة، ويتم نقل عقلية الميليشيا من الشارع لتزرع في المؤسّسات.
إرتجال، تسرع، ارتفاع في الدين عام، هبوط حاد في نسب النمو والإنتاجية.
وبقينا على هذا المنوال.
حكومة تتصرف بلا رقيب، ومجلس نواب يوافق على موازنة ويشرعها ويشجع التصرفات الخاطئة.
على مدى أكثر من 25 عاماً انصب الاهتمام على المشاريع العقارية وكان الهم الوحيد تثبيت سعر صرف الليرة وإصدار سندات خزينة بفوائد عالية واقتصاد ريعي، الأمر الذي يحول دون الإستثمار في الإقتصاد المنتج.
ونظراً لتراجع المداخيل الخارجية واستمرار الهدر، ازدادت حاجة البلد للدين.
بلغت نتيجة الهدر وكلفة الفساد حوالى 10 مليارات دولار في السنة، علماً أن بإمكاننا الاستفادة من هذه المبالغ لتأمين حوالى 10 آلاف وظيفة، وبالتالي تحريك عجلة الإقتصاد.
جميعنا يعلم أن حجم الدين العام بلغ في أواخر أيلول الماضي 83 مليار دولار. وأن حجم الواردات يفوق الـ18 أو الـ19 مليار دولار سنوياً، في حين يقتصر حجم الصادرات على 3 أو 4 مليارات سنوياً فحسب. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل العجز المالي بالنسبة للناتج المحلي خلال الـ 2018 إلى 9.7 بالمئة.
تزداد الضرائب التي تفرض على المواطن من دون وجود دورة إقتصادية، وبموازاة ارتفاع الين العام يرتفع الإنفاق أيضاَ.
تزداد حركة المرفأ في حين تضعف مداخيله، كما أننا على بينة بما يحصل في المطار والمشاكل التي يعاني منها.
ومن الحقائق التي لا يمكن أن نتجاهلها هي أن أكثر من 350 ألف لبناني يعيشون بأقلّ من دولارين ونصف يومياً. إن أكثر من مليون لبناني يعيشون بأقلّ من 4 دولارات في اليوم.
وقد بلغت نسبة البطالة في لبنان بحسب البنك الدولي 20 في المئة، وبحسب اليونيسيف فإن نسبة البطالة وصلت إلى 37 في المئة بين الشباب، علماً أن حوالى 60 في المئة من اللبنانيين هم دون سن الـ 30.
وفي ملف الإنترنت، احتل لبنان المركز الـ131 عالمياً من أصل 133 دولة، والآتي أعظم!
والمؤلم هو تجميد قروض الإسكان وارتفاع هجرة شبابنا ويأسهم من الأحوال المعيشية في لبنان.
نحن مضطرون للاعتراف بهذه الوقائع لنفهم سببها ونصل إلى الحلول.
من الواضح أن القطاع العام غير مؤهل لمواجهة تحدّيات المرحلة.. وعوضاً عن محاولة إيجاد حلول للأزمات، للأسف له اليد الطولى في تفاقمها، والنزوح السوري وتبعاته الإنسانية والمادية مثال حي على ذلك.
إن زيادة 5 آلاف ليرة على سعر صفيحة البنزين وفرض ضريبة ص 10 على جميع المواطنين لا تغطي عجز ولا تساهم في إنجاح أي إدارة.
لا بد من أن يتعاون القطاع العام مع الناجحين في القطاع الخاص الذين يستطيعون المساهمة في توظيف هذا النجاح لخدمة البلد.
إن أحد أهم الحلول المطلوبة والمهمَلة في بلدنا يكمن في تفعيل وتطبيق المراسيم الإشتراعية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالـPPP، شرط ألا يتم التطبيق استنسابياً لمصلحة شركات معينة.
إن جميع دول العالم التي تمر بظروف صعبة تقوم بتخفيض الضرائب ورفع مستوى التعليم لاكتساب أفكار ومهارات جديدة. ونحن إن لم نطور شبابنا بناءً على مناهج تنسجم مع احتياجات العصر لن نتمكن من مواكبته.
بالأمس كنا في دبي نناقش ملف “الإقتصاد الأخضر” ضمن مؤتمر بلدان النصف الجنوبي للكرة الأرضية. ومن جملة العناوين المطروحة تقريرٌ للمفوضية الأوروبية يشير إلى أن قطاعات الطاقة المتجددة بإمكانها أن توفر ما لا يقل عن 3 ملايين فرصة عمل في السنتين القادمتين، و400 مليون فرصة عمل في عشرينيات القرن الحالي.
انظروا أين أصبح العالم في حين نقف مكانك راوح!
هم يتكلمون عن مصادر بديلة للطاقة وفرص عمل بالملايين، ونحن نعاني من أزمة في الكهرباء والنفايات ونبحث في إنشاء محرقة كي لا نواصل رمي النفايات في البحر.
ماذا فعلنا بعد مرور 26 عاماً من الإعمار، من أجل توفير فرص عمل للشباب؟ إن مؤتمر سيدر لحظ حاجتنا للبنى التحتية.
بعد مرور 26 عاماً من الإعمار، لم نقم بتأهيل البنى التحتية.
من المفترض أن نقوم بذلك الآن…
السؤال هنا: كم من فرصة عمل ستوفرها أموال مؤتمر سيدر ولمن؟ لعمال بناء معظمهم ليسوا من اللبنانيين؟
اليوم، كما كان الحال في مطلع التسعينيات، هنالك حلول تنضج في المنطقة. ومن الضروري أن نسأل: ما هو دورنا في تحديد طبيعة حصتنا أو تحديد دور لبنان في التسويات التي يتم تحضيرها؟
في تسعينيات القرن الماضي اختصروا لبنان بأنه مركز لأنواع من الخدمات المالية والسياحية، وعلى هذا الأساس أصبحت الإستدانة بمبالغ عالية جداً وكان العمران غير المنتج وغير المفيد يتماشى مع مفهوم الخدمات المطروح.
الرؤية مختلفة اليوم. أصبحنا بحاجة إلى خطة إنمائية شاملة وإيجابية تؤهل لبنان لكل أنواع المنافسة. بمعنى آخر، نحن بحاجة على الأقل إلى مجلس تخطيط أو وزارة.
النتائج السابقة أوضحت لنا خطورة حصر كل المشاريع الحيوية بجهة واحدة خاضعة لمزاج حاكم أو وزير.
إن مجلس الإنماء والإعمار مشكلة وليس حلاً. والمجالس الرقابية التي فاق عددها الـ80 خاضعة لإرادة وزير أو رئيس حكومة، بلا رقابة ولا محاسبة من قبل مجلس النواب…
لبنان بحاجة لـوزارة تخطيط، ولرؤية شاملة، وخطّة استراتيجية تحقق لبلدنا كل طاقاته ضمن مفهوم واضح ومكتمل لاقتصاد جامع وإيجابي.
رغم كل المصاعب التي تحيط بنا يبقى لبنان غنياً جداً بإمكانياته، ويمتلك 3 ثروات أساسية هي النفط والغاز، والمياه، والعنصر البشري. والارتجال لا ينفعنا إذا أردنا الإستفادة بشكل فعال من هذه الموارد.
نحن في حزب الحوار الوطني نسعى لتحقيق عدالة اجتماعية تليق بالوطن والإنسان، وأنا كنائب أحمل رسالة هذا الحزب وأمنيته الغالية. لقد بنينا برنامجنا الانتخابي على دراسات تغني عن الشعارات وتحمي ثروة لبنان، علماً أن الاستثمارات لا تأتي إلى بلد قوانينه مزاجية ويتم تشريعها كي تركن في الأدراج.
يدنا ممدودة لكل الراغبين بالحوار والتعاون البنّاء لخدمة وطن جدير بمواطنين منتجين، محاطين بكل عوامل الإنتاج والنجاح، وجاهزين لأن يساهموا في بنائه لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.