راكيل عتيّق – الجمهورية
عند «العَدل» توقّفت عمليةُ تأليف الحكومة. «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وحلفاؤهما يرون أن لا عَدل في ما يُطالب به حزب «القوات اللبنانية» حكومياً، «القوات» تعتبر أن لا عَدل في ما يُطرح عليها من حصص وزارية… والمُواطن يشعر أن لا عَدل في تأخير التأليف. فأيُّ عُقدة خنقت التفاؤل الأخير بالتأليف؟ «حزب الله» يشير إلى «القوات»… و«القوات» تشير إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
«القوات» لم تُطالب بوزارة العدل بل عرَضها عليها الرئيس المُكلف سعد الحريري على أثر تعذُّر منحها حقيبة سيادية، هي من حقها الطبيعي والبديهي، حسب ما تقول مصادرها. وبعدما أُبلغت «القوات» بموافقة عون على إسناد حقيبة العدل الى وزير قوّاتي، تراجع عون عن هذا القبول.
يبدو أنّ «القوات» تحاذر التصادم مع عون، فهي تتمسّك بـ«العدل» من دون أن تُعاند العماد. وتوضح مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ «ما يحصل في المرحلة الحالية هو محاولة جدّية للبحث في طريقة الخروج من هذه العقدة بما يحفظ حسن التمثيل الذي تصرّ عليه «القوات» وبما يحفظ علاقة «القوات» برئيس الجمهورية».
الحريري بدوره، حصر العقدة الأخيرة التي تُحرِّر الحكومة بتمثيل «القوات»، من دون أن يُظهر موقفه، وبدا ذلك من حسمه أن لا عقدة سنية، والعقدة الدرزية كانت قد حُلَّت والتمثيل الشيعي بين «حزب الله» وحركة «أمل» لم يُعقِّد ولادة الحكومة، وبالتالي لم تتبقَّ إلّا حصة «القوات».
«حزب الله»، «الصامت الأكبر» في عملية تأليف الحكومة، باستثناء مواقف «الضرورة»، يرى أن لا عقدة في مرحلة التأليف الراهنة إلّا عقدة «القوات». وتقول مصادر قريبة منه لـ«الجمهورية»: «اخترعوا قصة وزارة العدل فيما هي لم تكن موجودة أو واردة». وعن تأكيد «القوات» أنّ وزارة العدل عُرضت عليها ولم تطلبها، ردّت المصادر، مُستشهدةً بعبارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الشهيرة، بأنّ «هذا الكلام منو صحيح».
وتلاحظ هذه المصادر، أنّ أكثر عقدة عقّدت تأليف الحكومة منذ تكليف الحريري، هي عقدة «القوات»، لأسباب داخلية أو خارجية، وترى أنّ هناك معركة في الشارع المسيحي وأنّ «القواتيين يعتبرون أنّ عليهم أن يسجّلوا ما في مقدورهم من نقاط في الحكومة ليعلنوا انتصارَهم في المعركة المسيحية ـ المسيحية».
في المقابل، ومثلما تحكم قاعدةُ «العرض والطلب» السوق والأسعار، كذلك تحكم قاعدةُ «ضعف وقوة» هذا المِحور الإقليمي ـ الدولي أو ذاك، المواقع السياسية ـ المؤسساتية في لبنان. وعلى هذه القاعدة بنى متابعون تحليلهم لـ«الفركشة» الحكومية الأخيرة، ويرون أنّ «حزب الله» وجد من المفيد تجميد تأليف الحكومة إلى حين انجلاء كلّ تداعيات مقتل الصحافي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا، وانتظار تجلّي كلّ التحرك الدولي، ومن ضمنه الأميركي ضدّ السعودية، ما يؤدي إلى إضعافها وبالتالي إضعاف حلفائها في لبنان، ما يسمح لـ«حزب الله» وحلفائه بالضغط على الحريري لاستيلاد تشكيلة وزارية في الشكل الذي يريحهم.
المصادر القريبة من «حزب الله» تسخر من محاولة تسويق أنه يريد استغلال ضعف السعودية، والإصرار دائماً على وضع كلّ ما يحصل من عراقيل ومُشكلات «بضهر الحزب»، فيما الحقيقة عكس ذلك.
وتقول هذه المصادرنفسها: «بالنسبة الى «حزب الله»، محور السعودية مهزوم منذ زمن ولم يكن الحزب في انتظار قصة الخاشقجي أو غيرها، فهي ليست الحادثة الوحيدة التي تعبّر عن أفعال السعودية فمع أهميتها فإنها لا تساوي طفلاً من أطفال اليمن الذين يُذبحون يومياً ويُقتلون بالصواريخ والمجاعة».
وترى المصادر نفسها، أنّ «هذا المحور انهزم في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ولا ينتظر الحزب تكريس هذه الهزيمة»، مشدّدة على «أنّ الحزب لم يترجم انتصاراته العسكرية أو انتصارات المحور سياسياً، فلو كان يفكّر على هذا المنوال، لطالب بثلثي الوزارات في الحكومة».
وتذكّر المصادر، «أنّ الحزب لم يستغلّ انتصاراته، لا في العام 2000 ولا في 2006 ولا بعد انتصار الجرود… ولم يُفكِّر، أنه يريد ترجمة انتصاراته بالسيطرة سياسياً وإبعاد الأطراف الأخرى من الحُكم. وعلى رغم ذلك لا يقتنعون ولا يُصدِّقون». وتؤكّد أنّ «المشكلة عند «القوات اللبنانية» وليس عند حلفاء الحزب، ولا يُمكن أن يضغط الحزب على حليفه «التيار الوطني الحر» ليتنازل عن حقوقه، فـ«القوات» تطالب أكثر من حقها. ولو كان يطالب «التيار» بأكثر ما يحق له، لطلب منه الحزب عندئذٍ التنازل أو التراجع «بالمَونة»، ولكنه يطالب بحقه، و«القوات» تطالب بأكثر من حجمها وفق المعيار المُعتمد في التأليف».
وتجزم المصادر، أنّ «حزب الله» لم يطرح حكومة أكثرية أو استبعاد أيّ مُكوّن على رغم «انتصاراته»، فـ«وضع البلد حالياً وأزماته تتطلّب حكومة وحدة وطنية، وأن يشارك الجميع بتحمُّل المسؤولية».