صحيفة الجمهورية
تتقاذف الاستحقاق الحكومي هبّات متفائلة بإنجازه حيناً وأخرى متشائمة أحياناً، وما تجمّع من معطيات أمس لم يحمل جديداً سوى استمرار انعدام التوافق على حلّ العقد التي ما تزال تعوق الولادة الحكومية، في الوقت الذي بدأت تلوح في الأفق احتمالات تفريخ عقد جديدة في ساحة التأليف. وفي الوقت الذي جزم الرئيس المكلف سعد الحريري انّ حكومته ستولد في غضون الايام المقبلة، حسب إعلام «المستقبل»، فإنّ الاجواء التي رشَحت من مختلف المقار المعنية بالتأليف لم توحِ أنّ العقد، ولاسيما منها «القواتية» والسنيّة، قد تماثلت الى الحل، في وقت خرج زوّار عين التينة بانطباع انّ التأليف ما زال متعثراً و»مش ماشي الحال». على انه ليس متوقعاً حصول أيّ تطور لافت اليوم على جبهة التأليف، إذ انّ الرئيس المكلف توجّه ليل أمس الى المملكة العربية السعودية مُلبّياً دعوة رسمية الى حضور منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (دافوس الصحراء) الذي بدأ اعماله في الرياض أمس، على أن يستأنف اتصالاته ومشاوراته إثر عودته.
لا تزال ولادة الحكومة أسيرة الحصص والاحجام والحقائب، فيما ينتظر أن يعاود الحريري حركة مشاوراته بعد عودته من السعودية، وقد استبقَ سفره الى الرياض بإعلان تأييده الاجراءات التي اتخذتها المملكة في شأن قضية الصحافي جمال خاشقجي، معتبراً انها «تصبّ في الاطار الذي يخدم مسار العدالة والكشف عن الحقيقة كاملة».
وكان من أبرز لقاءات الحريري أمس اجتماعه مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، الذي اطّلع منه على نتائج مشاوراته واتصالاته حتى الآن، وخصوصاً مع «القوات اللبنانية».
وأكد الحريري انّ الاتصالات لتأليف الحكومة مستمرة مع مختلف الاطراف، وأوضح أن «لا خلاف مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وانّ إلغاء لقائه مع النائب وائل ابو فاعور سببه انشغاله»، مشيراً الى انه «قد يلتقيه لاحقاً».
وعندما سئل عمّا يتردد عن تَخلّيه عن إحدى الحقائب الوزارية التي خصّصها لتيار «المستقبل»، قال الحريري: «هل أتخلى أكثر ممّا فعلت؟!».
وفي معلومات لـ»الجمهورية» أنّ الحريري أبلغ الى نواب «المستقبل» أنه بعد تأليف الحكومة لن يستمر في ترؤس اجتماعات الكتلة، وأنّ النائب بهية الحريري هي من سيترأس هذه الاجتماعات.
«القوات»
في غضون ذلك، زار الوزير ملحم الرياشي عين التينة موفداً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ناقلاً الى رئيس مجلس النواب نبيه بري موقف «القوات» من الصيَغ التي عرضت عليها لتمثيلها في الحكومة.
وعلمت «الجمهورية» انّ الرياشي أبلغ الى بري أنّ «القوات» ليست موافقة على الصيغة المطروحة التي عرضت عليها، وهي تتلخّص بإعطائها 4 حقائب، من ضمنها مركز نائب رئيس الحكومة. وأكد انّ «القوات» طالبت بحقيبة وزارية وازنة، وتريد أن تكون المقاعد الوزارية الأربعة مخصصة بحقائب، بحيث تكون إحداها مُسندة الى نائب رئيس الحكومة.
وقالت مصادر»القوات» لـ»الجمهورية»: «نحن أكثر طرف قدّم التسهيلات اللازمة، والعقد ليست عندنا بل عند غيرنا، وهو من يتحمّل مسؤولية التعطيل لأنه كان يرفض منذ اللحظة الاولى تقديم التسهيلات المطلوبة. فلو اعتمد في الأساس قاعدة التوازن في التسهيلات لتألفت الحكومة اليوم، لكنه بدأ يُسهّل منذ 10 أيام، حتى أنّ التسهيلات التي يقدّمها إنما يقدمها بـ»القطعة»، ثم ما يلبث ان يتراجع عمّا يقدمه، وهذا يعني أنّ المشكلة ليست عندنا».
وأضافت المصادر: «لا نزال في مرحلة تبادل الافكار، والمساعي مستمرة، والمفاوضات مع الرئيس المكلف متواصلة. فـ»القوات» قررت أن تكشف المعرقل، ولهذه الغاية تجري مفاوضات مكثّفة يجب ان تؤول الى نهاية واضحة». ولفتت الى انه «بدلاً من أن تتزامن هذه المفاوضات مع التهدئة السياسية، بدأنا نرى هجوماً سياسياً مقصوداً بهدف تسخين الوضع وقطع الطريق على أن تحقق المفاوضات أي نتائج، على غرار ما كان يحصل في كل مرة سابقاً حين كانت تتقدّم المفاوضات، حيث تأتي تصريحات ومواقف ومقابلات تعيدها الى المربّع الأول، لكننا هذه المرة لن نسمح بذلك. هناك أفكار عدة، وقدّمنا في الأمس الى الرئيس المكلف ورقة مكتوبة تتضمّن كل الافكار والخيارات البديلة الممكنة، ولم نتلق الأجوبة بعد، ونحن في انتظارها، وعندما نتلقّاها نبني على الشيء مقتضاه. وفي انتظار الاجوبة، تبقى الخطوط مع «بيت الوسط» مفتوحة، وكذلك خطوط «بيت الوسط» مع كل القوى السياسية بُغية ترجمة الافكار التي وضعناها على أرض الواقع. ولدى ترجمتها يمكن القول انّ ما يسمّى العقدة المسيحية قد انتهت الى غير رجعة، وسنرى عندئذ ما اذا كانت الحكومة ستؤلّف أم لا، ولكننا لن نقبل بعد اليوم أن يتم التلَطّي بهذه العقدة لتغطية عقد أخرى موجودة وقائمة على أكثر من مستوى».
وكانت الدائرة الإعلامية في «القوات اللبنانية» قد أكدت انّ «القوات» لم تكن يوماً عقبة أمام التأليف، ولم تطالب يوماً بحقيبة معينة، ولا تَمسّكت بحقيبة أخرى، ولا وضعت «فيتو» على تَسلّم أيّ حزب حقيبة بعينها، ولا اعترضت على تسلّم شخص معيّن حقيبة محددة، بل الآخرون هم الذين عَكفوا على هذه الممارسات طوال فترة التأليف». وأشارت الى انها لن تقبل بأن تحرج بعروض غير مقبولة وفيها تَجنّ وافتئات عليها، وذلك بغية إخراجها من الحكومة، بل ستعمل على تصحيح أيّ اقتراح يطرح عليها بغية جعله يختزن الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة. وأوضحت أنّ ثمة عقبات فعلية في مكان آخر تقف عائقاً في وجه تأليف الحكومة وتبرز الى السطح، تارة من خلال ما يسمّى «تمثيل سنّة 8 آذار»، وطوراً بوَضع «فيتوات» غير مفهومة بتَسلّم بعض الوزراء حقائب معينة».
العقدة السنية
وفي هذه الاجواء، ظلت عقدة التمثيل السنّي عَصيّة على المعالجة حتى الآن، في وقت يجتمع «اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين» عند الثانية من بعد ظهر اليوم في منزل الرئيس الراحل عمر كرامي في الرملة البيضاء ـ بيروت.
وعشيّة الاجتماع، قال عضو اللقاء النائب فيصل كرامي لـ»الجمهورية»: «إنّ العقدة السنية لم تعد محصورة بالرئيس المكلف، بل انضَمّ متضررون إليها بحملة مُموّلة لتشويه صورتنا». وكشف انه سيكون للقاء بعد الاجتماع اليوم ردّ مُسهب على موقف الحريري في ما يتعلق بتمثيل النواب السنّة من خارج تيار «المستقبل» داخل الحكومة، «خصوصاً أنهم يمثّلون جزءاً كبيراً من طائفتهم، ومن الذين اقترعوا لمصلحتهم. وبالتالي، فإنّ هذا التمثيل قد تحوّل أمراً واقعاً باتَ يفرض نفسه بقوة على المشهد السياسي، وهذا ما لا يتقبّله الرئيس المكلف بعد».
«المستقبل»
وأكدت كتلة «المستقبل» النيابية «انّ تجارب تأليف الحكومات السابقة، والازمات والمشاحنات التي ترافقها، رَتّبَت، مع الأسف الشديد، نشوء أعراف تقضي بتوزيع ما سُمّي الحقائب السيادية على الطوائف الرئيسة الأربع، ولن يكون من الجائز والمنطقي بعد اليوم العمل على ابتداع أعراف جديدة تقضي بتخصيص حقائب معينة لهذه الجهة أو تلك، الأمر الذي يعوق عملية التأليف ويخالف المسؤوليات الدستورية المنوطة بالرئيس المكلّف». ورأت «انّ تناول التمثيل العائد للرئيس المكلف بالصورة الي يجري تداولها، من بعض النواب والجهات السياسية، أمر غير مُدرج في جدول أعمال التأليف، ومن شأنه ان يضيف الى مسلسل العقد المعروفة عقدة جديدة، لا وظيفة لها سوى فرض شروط جديدة وغير مقبولة لن يُقرّ بها الرئيس المكلف تحت أي ظرف من الظروف».
«لبنان القوي»
وأعلن تكتل «لبنان القوي» أنه «ساهم الى أقصى الحدود في حلحلة العقد، والجميع يعرف دورنا على صعيد نيابة رئاسة الحكومة، أو لجهة توزيع الحقائب، خصوصاً انّ الأساسيات كثيرة من «الاشغال» الى «الصحة» و»التربية» وسواها، و»العدل» ليست المشكلة، وكانت من حصة رئيس الجمهورية. وفي غياب المداورة، من حقّه أن يحتفظ بها، خصوصاً أنّ المالية والداخلية والعدل تشكّل أدوات الحكم. ومن حق رئيس الجمهورية، المؤتَمن على الدستور والرؤية التي لديه، أن تكون لديه الوسيلة للاصلاح الفعلي الذي يراه، ومن المفترض أن يسلّم الجميع بذلك».
«اليونيفيل»
وفي خضمّ الإنشغال بالملف الحكومي، برزت جولة قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل»، الجنرال ستيفانو دل كول، على الرؤساء الثلاثة. وقد أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى دل كول انّ «الادّعاءات الاسرائيلية عن وجود أسلحة في محيط مطار رفيق الحريري الدولي وفي أماكن آهلة بالسكان، قد ثبت بطلانها بعد التدقيق الذي حصل ميدانيّاً، وشارك فيه رؤساء البعثات الديبلوماسية في لبنان»، معتبراً أنّ «هذه الادعاءات تندرج في إطار الممارسات الاسرائيلية الهادفة الى إبقاء التوتر في منطقة الجنوب، في حين يلاحظ الجميع انّ الطيران الاسرائيلي ينتهك الاجواء اللبنانية في استمرار لقصف الأراضي السورية». وقال: «انّ رفض اسرائيل ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة يخفي نيّاتها المبيتة، لأنّ حل الخلاف حول الحدود البرية والبحرية وإعادة ترسيمها وفقاً للأصول يعزّز الاستقرار على الحدود».