دافيد عيسى
في حمأة التجاذبات والمفاوضات والانشغالات الحكومية يتبيّن أن هناك مؤسسة في الدولة لا تتأثر بفراغ حكومي ولا تعنيها مرحلة تصريف الأعمال وإنما تعمل بكامل طاقتها وتتمتع بجهوزية تامة ولديها كل الاستعداد والتصميم لخوض غمار الإصلاح ومكافحة الفساد بكل أشكاله.
وفي ظل موجة تشاؤم وخيبة تجتاح الرأي العام، وأخبار صادمة وسيئة تطغى على المشهد وتتصدر الشاشات والنشرات، تأتيك أخبار تخرق هذا الواقع المحبط وتعطي أملاً جديداً وتكون علامة مضيئة في واقع قاتم.
المؤسسة هي الأمن العام، و”الخبر” هو أن الفساد والرشوة ممنوعان داخل المديرية العامة للأمن العام، وأنّ تحقيقاً فُتِحَ حول هذه المسألة وستنزل عقوبات قاسية بحق كل من يثبت ارتكابه للمخالفات أو تورّطه في ملفات فساد، وفي هذا الإطار أوقف الأمن العام ثلاثة ضباط ورتيباً مشتبه بتورّطهم في ابتزاز صرّافين وقبض مبالغ منهم مقابل التغطية على مخالفتهم القانون، ويجري التحقيق مع الموقوفين بإشراف مباشر من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
هذا الخبر أو الحدث لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام، وإنما يستوقفنا ملياً ويعني لنا الكثير لأنه ينطوي على دلالات ومعانٍ هامة وعميقة، فليس قليلاً ولا عادياً أن تعلن مؤسّسة أمنيّة عن توقيف ثلاثة من ضباطها بتهمة الفساد مع ما يعنيه ذلك من رفع الغطاء عنهم لأنّ المؤسّسة لا تحمي من يخطئ أو يسيء إليها مهما ارتفع شأنه ومركزه، وما يعنيه ذلك من إبعاد المؤسّسة عن كل التدخّلات السياسيّة ووساطات المتنفّذين وإخضاعها لسقف القانون وأحكامه.
ومثل هذه القرارات والتوجّهات لا بد وأن يكون لها الصدى الطيّب والأثر البالغ عند المواطنين الذين يجدون أنّ ما يطالبون به وما يريدونه لم يعد حلماً ولا وهماً وإنما بات حقيقة وواقعاً ملموساً، وما يريده اللبنانيون على اختلاف ميولهم وانتماءاتهم واضح ومحدد: أن تطلق حملة مكافحة الفساد في كل مؤسسات الدولة من دون هوادة ومن دون مراعاة لأوضاع أو مسايرة لجهات، وأن لا تصطدم هذه الحملة باستثناءات وخصوصيات ولا يكون أي موظف مهما علا شأنه خارج المساءلة والمحاسبة…
ما فعله الأمن العام يشكر عليه لأنّه صارح الناس وكاشفهم ولم يخف عنهم ما يجري داخله ولم يدع للأقاويل والشائعات والفبركات أنْ تأخذ مداها. وهذا منتهى الشفافيّة في العمل والممارسة وما يؤدي حكماً إلى ترسيخ مصداقية الأمن العام وصورته الناصعة التي لا تلطّخها حالات إفراديّة شاذة جرى اكتشافها واجتثاثها، وهذه حالات استثنائية تحصل في أيّ مؤسّسة ولكن عمليّة التصدي لها لا تحصل في كل مؤسسة وإدارة بمثل هذا التصميم الحازم وهذه الإرادة الصلبة.
وما فعله عباس ابراهيم ويقدّر له أنّه نقل حملة مكافحة الفساد من التنظير والشعارات إلى أرض الواقع والممارسة، فكان السبّاق كما دائماً إلى المبادرة والمباشرة بمكافحة الفساد عبر إجراءات قاسية وإلى تقديم نموذج جريء يُقتدى به في مؤسّسات أخرى ما زالت متردّدة في خوض غمار هذه الحملة واتّخاذ القرارات الصعبة.
وما قام به لواء الحرّية يُثلِج قلوب المواطنين ويخاطب عقولهم ويُنقِذ ما تبقّى من ثقة لديهم بالدولة ويعطيهم أملاً بأنّ مكافحة الفساد ممكن أنْ تحدث في لبنان وأن تنجح في تحقيق أهدافها.
ما حدث في الأمن العام من تصدٍ لمظاهر فساد لم يكن ليحدث لولا اللواء عباس إبراهيم الذي اتّخذ القرار، وأخذ على عاتقه قرار متابعة التحقيقات والإشراف عليها شخصياً حتى تكون صحيحة وسليمة وعادلة بالكامل… هذا إنجاز جديد يضاف إلى إنجازات عباس ابراهيم ومبادراته الكثيرة في كل المجالات، هو الحريص على الدولة والقوانين ومصالح الناس ونقاوة المؤسسة… وهذا مضمار جديد يدخله هذا الرجل بكل ثقة وتصميم ليعطي قوّة دفع لعمليّة الإصلاح الإداري ويشجّع غيره من قادة ومديري المؤسّسات في الدولة على المضي قدماً في مكافحة الفساد من دون التوقف عند اعتبار سياسي أو طائفي.
لكن جبهة الإصلاح ومكافحة الفساد، هي الأكثر دقة وتتطلّب رجل قرار ورجل دولة وعلى مسافة واحدة من الجميع، وتتطلّب أكثر رجل نظيف الكف، وابن عائلة “شبعانة وما في شي بعينها” وهذه كلها صفات يملكها اللواء ابراهيم.
من دون أنْ ننسى أيضاً ملفّ النازحين السوريّين الشائك والمعقد الذي يكمله محققاً اختراقاً نوعياً فيه، رغم المناخ السياسي غير المشجّع والمناخ الدولي غير المساعد. وما باشر به للتو مع إعادة فتح معبر نصيب بين سوريا والأردن على صعيد توفير التسهيلات للمصدّرين والسائقين اللبنانيّين والتنسيق مع السلطات السوريّة كي يكونوا في أفضل وأريح ظروف وأوضاع أمنياً ولوجستياً. إنّ ما باشر به مهم وأساسي لملاقاة هذا التطوّر الإيجابي والإفادة من شريان اقتصادي حيوي وكل ذلك خدمة للمصلحة اللبنانيّة العليا.