صحيفة الأخبار
حتى الآن، من غير الواضح كيف يمكن أن تتعامل الإدارة الأميركية مع الرياض، على رغم الأصوات المنادية بمعاقبتها، بسبب تورّطها المحتمل في مقتل جمال خاشقجي. خبراء عديدون حاولوا مقاربة التطوّرات المستجدّة على العلاقة، ولكن غالبيتهم وقع في الإبهام والضياع، بدلاً من تقديم رؤية واضحة عن أفق هذه العلاقة ومستقبلها
بالنسبة لكثير من المراقبين في الولايات المتحدة، يستحق مقتل الصحافي جمال خاشقجي التوقّف طويلاً عنده، من منطلق أنه سيكون نقطة تحوّل في العلاقات الأميركية ــ السعودية. وعلى رغم الإجماع على ذلك، إلا أن مختلف الخبراء والمحلّلين يواجهون ضياعاً في مقاربتهم لكيفية ومستوى هذا التحوّل، نظراً لاعتبارات عدّة، أوّلها المصالح المتبادلة بين البلدين وليس آخرها جماعات الضغط التابعة للسعودية والتي تتغلغل في مختلف المؤسسات الأميركية، من كونغرس ووزارتي خارجية ودفاع، وأيضاً في مراكز أبحاث التي لا تزال، حتّى الآن، تبدو في حالة توجّس أمام تقدير مستقبل هذه العلاقة.
وبالنسبة لمن يدُرك أن العلاقات عميقة، فهو يعرب، أيضاً، عن فهم بأنها حالياً ليست أمتن من أن تتأثر بالجريمة البشعة التي شهدتها القنصلية السعودية في الثاني من تشرين الأول الجاري. انطلاقاً من الفرضية المذكورة أعلاه تساءلت مجلة الـ«تايم»، عمّا يجعل العلاقات السعودية ــ الأميركية مميّزة؟ مجيبة: «الأسلحة، النفط وجيش من جماعات الضغط». وبحسب المجلّة الأميركية لا يمكن حلّ الحلف الذي بني منذ 75 عاماً، بسهولة. المبالغ التي أنفقتها السعودية في أعمال الضغط طائلة، ومؤثرة، وهو أمر ليس غائباً عن ذهن المجلة التي أشارت إلى أن «السعودية أنفقت 5.8 مليون دولار على أعمال الضغط في الكونغرس، خلال هذا العام»، بناء على معلومات جمعها أحد المراكز الحكومية. ولكن مستندات أخيرة، أيضاً، تفصّل النفقات والتسديدات، تشير إلى رقم يصل إلى 9 ملايين دولار، وفق ليديا دينيت، التي تعمل في «مشروع الرقابة الحكومية».
أيضاً بحسب ما أشارت إليه مجلة الـ«تايم»، فقد جمعت إحدى الجمعيات المختصّة، سجّلات تُظهر أن جماعات الضغط السعودية تواصلت مع أكثر من 200 عضو في الكونغرس، بمن فيهم كل أعضاء مجلس الشيوخ. كذلك، تواصلوا مع مسؤولين في وزارة الخارجية معنيين بصفقات الأسلحة مع الخارج. من هنا، تشير المجلة إلى أن العلاقات السعودية ــ الأميركية فريدة من نوعها عندما يتعلق الأمر ببيع الأسلحة. ووفقاً لتقرير نشره أخيراً «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، تشتري السعودية أسلحة من الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى، ذلك أن السعودية تمثّل ما يصل إلى الخمس من كافة صادرات الأسلحة الأميركية، خلال السنوات الخمس الماضية.
خارج إطار الأرقام والمصالح، قدّم كل من آيرون ديفيد ميلر (باحث في مركز «ويلسون») وريتشارد سوكولسكي (باحث في معهد «كارنيغي»)، زاوية مختلفة ترتبط بالمستجدات على العلاقة الأميركية ــ السعودية. «التورّط المحتمل للسعودية في مقتل خاشقجي، يجسّد الأزمة الأضخم في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، منذ هجمات 11 أيلول»، قال الباحثان في مقالة مشتركة في مجلة «ذي أتلنتك». ولكن على رغم اعتقادهما بأن التورّط السعودي في هذه الجريمة يجب أن يغيّر كل ما يتعلق بالعلاقة مع السعودية، إلا أنهما يعربان عن إدراك بأن ذلك «من المحتمل أن لا يحدث ذلك».
لا يملكان إجابات واضحة عن سبب عدم حدوث ذلك ولكن يشيران إلى أن الحجج بضرورة الحفاظ على علاقة جيّدة مع السعودية في عهد محمد بن سلمان غير موجبة. وبغض النظر عن صفقات الأسلحة التي يتحدث عنها ترامب، يلفتان إلى أن السعودية كانت عامل تهديد للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، بدلاً من أن تكون عامل تعزيز لهذه المصالح. وفي هذا السياق، يتحدثان عن تعثّر «مساعي الإدارة الأميركية لتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى تحالف فعّال»، وذلك بسبب القتال الذي اختارته السعودية والإمارات مع قطر. «حصارهما لقطر دفع بالدولة الخليجية إلى تقوية علاقاتها مع إيران، كما عقّد جهود الإدارة الأميركية لمواجهة التحدي الإيراني في المنطقة، والتي تتمثّل في تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى قوة عسكرية أكبر، وإنشاء «حلف استراتيجي» جديد في الشرق الأوسط». من جهة أخرى، يبدو ميلر وسوكولسكي مقتنعين بأنه «بخلاف هجمات 11 أيلول، حين لم يكن هناك دليل على أن المسؤولين السعوديين كان لديهم علم مسبق أو حتى لعبوا دوراً فيها، فإن مقتل خاشقجي لم يكن ليحصل من دون موافقة ولي العهد». ويؤكدان أن التبريرات التي تقول أن «من قام بهذه الجريمة هم عناصر مارقون، فإن أحداً لا يمكنه أن يصدق أن محمد بن سلمان لم يتحمّل مسؤولية هذا العمل».
إلا أن تهوّر ابن سلمان وتصرّفه ليس بعيداً من التأثير الأميركي، وفقهما. ذلك أن «تماهي الإدارة الأميركية مع ولي العهد محمد بن سلمان، على أنه المُصلح المصمم على فتح المملكة وترويض التطرّف الديني فيها، مهدّد الآن بحقيقة قاسية، مفادها أن قائداً متهوّراً ومندفعاً وقاسياً، يريد أن يقمع الأصوات المعارضة له في الداخل والخارج». أونيل كيليام يرى في تقرير نشره معهد «تشاثام»، أن على الحكومات الأوروبية والأميركية التحرّك إلى ما هو أبعد من الخطاب، و«تنفيذ تدابير دبلوماسية مستدامة، من أجل إقناع الرياض بأن الإصلاح السياسي هو الخيار الوحيد». يلفت الباحث إلى أنه «على رغم التهديدات المتبادلة في شأن العقوبات بسبب مقتل خاشقجي، فإن الردود من كلا الجانبين لم ولن تكون واضحة كما يوحي الخطاب». وفي هذا الإطار، يشير إلى صعوبة تطبيق عقوبات معيّنة، موضحاً أن «علاقة السعودية مع الولايات المتحدة وأوروبا، بريطانيا وفرنسا تحديداً، متعددة الأبعاد وتضم روابط مؤسساتية قوية بين الجيوش ووكالات الاستخبارات، وأيضاً في قطاعات التعليم والمال والطاقة».
من هنا، يرى الكاتب أنه «بدلاً من وضع حد للعلاقة مع السعودية، فإن هذه الدول ستقوم بإعادة تقويم العلاقة ووضع قيود على مغامرة محمد بن سلمان، بالتزامن مع لائحة من الإجراءات ستقوم بها المملكة، تهدف إلى تقديم الإصلاحات، وإعادة الثقة المفقودة بين المستثمرين الدوليين، وأيضاً المساعدة في استقرار المنطقة».