بابٌ جديد للنزاع بين الولايات المتحدة وروسيا، فتحه دونالد ترامب. هذه المرة عبر معاهدة «الأسلحة النووية المتوسطة المدى» الموقّعة منذُ ثلاثة عقود، إذ أكد نية بلاده الانسحاب من الاتفاقية، بعد اتهامه موسكو بخرق بنودها
يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ انتخابه قبل عامين الانسحاب من الاتفاقات الدولية. هذه المرة وقع اختياره على معاهدة «الأسلحة النووية المتوسطة المدى» المبرمة مع الاتحاد السوفياتي السابق في الثمانينيات من القرن المنصرم، معللاً قراره بـ«عدم احترام روسيا المعاهدة ونشرها منظومات صواريخ يتجاوز مداها 500 كلم». وشدد ترامب في لقاءٍ في نيفادا على أنّ «موسكو لم تحترم المعاهدة، وبالتالي فإنّنا سننهي الاتفاقية الموقعة بيننا». وتابع الرئيس الأميركي: «لا أعرف لماذا لم يتفاوض الرئيس (باراك) أوباما عليها أو ينسحب منها… نحن لن نسمح لهم بانتهاك اتفاقية نووية والخروج وتصنيع أسلحة (في حين) أنّنا ممنوعون من ذلك».
وقد تزامن إعلان ترامب الانسحاب من المعاهدة مع وصول مستشار الأمن القومي جون بولتون إلى موسكو، ضمن جولة له إلى روسيا وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا. ومن المقرر أن يجتمع اليوم مع وزير الخارجية سيرغي لافروف للتحضير للقاء متوقع بين ترامب ونظيره فلاديمير بوتين قبل نهاية العام. وسيلتقي أيضاً سكرتير مجلس الأمن نيكولاي باتروشيف، ومستشار بوتين يوري أوشاكوف. في هذا السياق، ذكرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، أن بولتون هو من ضغط على الرئيس الأميركي من أجل الانسحاب من المعاهدة، مضيفة إن «بولتون يعيق المفاوضات حول توسيع معاهدة ستارت الجديدة للحدّ من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية التي ينتهي العمل بها في 2021 وترغب روسيا في تمديدها».
في المقابل، رأت موسكو أن القرار «حلم أميركي بالهيمنة على العالم من خلال بقائها القوة الوحيدة فيه»، مشككة على لسان مصدر في وزارة الخارجية من «تحقيقها ذلك». وشدّد المصدر على أنّ بلاده «ندّدت مراراً بمسار السياسة الأميركية نحو إلغاء الاتفاقات النووية». كما نقلت وكالة «أنترفاكس» الروسية عن الخبير السياسي أليكسي أرباتوف، قوله إن «القرار الأميركي قد يخلف تداعيات كارثية»، ملاحظاً أن «جولة جديدة من سباق التسلح هي أمر ممكن». من جهته، اعتبر عضو مجلس الاتحاد الروسي أليكسي بوشكوف، في تغريدة على موقع «تويتر» أنّ قرار ترامب هو «ثاني ضربة قوية تتلقّاها منظومة الاستقرار الاستراتيجي في العالم»، مذكّراً بأنّ الضربة الأولى تمثّلت بانسحاب واشنطن من «معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية» عام 2001. وأضاف بوشكوف: «مجدّداً، إن الولايات المتحدة هي الطرف الذي بادر الى الانسحاب من المعاهدة».
توجيه الأنظار نحو الصين؟
لا يعتبر قرار انسحاب ترامب من المعاهدة «سابِقة»، على قدر كونه «عادة» مارسها منذ تولىه منصبه. ولا يعني الانسحاب من المعاهدة النووية بالضرورة «اندلاع حرب» بين المعسكرين الروسي والأميركي، لكن قرار ترامب أثار مخاوف من تسارع سباق التسلّح الرامي إلى تطوير الأسلحة النووية وإنتاجها لدى الدولتين. وتأخذ إدارة ترامب على موسكو نشرها منظومة صاروخية من طراز «9 إم729» التي يتجاوز مداها، وفق واشنطن، 500 كلم ما يشكّل انتهاكات للمعاهدة. وقد اعتبر خبير الأسلحة النووية الذي عمل في مجلس الأمن القومي أثناء إدارة أوباما، جون وولفستال، أن الانسحاب «يسمم بئر الاستقرار النووي»، مضيفاً: «من المرجح أن يكون له تأثير مروع على أي صفقات أسلحة نووية محتملة بين البلدين في المستقبل». وقد يؤدي الانسحاب الأميركي إلى توجيه الأنظار نحو الصين التي يمكن أن تطور قيود أسلحتها النووية المتوسطة المدى بما أنها لم توقع على الاتفاق.
يُذكر أن الاتفاقية التي أعلن ترامب نيته الانسحاب منها كانت قد وقّعت بين الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان، ورئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشيف. ووضعت المعاهدة التي ألغت فئة كاملة من الصواريخ يراوح مداها بين 500 و5000 كلم، حدّاً لأزمة اندلعت في الثمانينيات بسبب نشر السوفيات صواريخ «إس إس 20» النووية. وأجبرت المعاهدة، أو هكذا يفترض، الطرفين على سحب أكثر من 2600 صاروخ نووي تقليدي، من الأنواع القصيرة والمتوسطة المدى.