راجانا حمية – الأخبار
في آخر «إصداراته» عام 2015، سجّل التقرير السنوي للسجل الوطني للسرطان نحو 13 ألف إصابة بالمرض. بعدها، توقّف الإصدار الرسمي، لكن ذلك لم يمنع الأرقام من التصاعد. بين 2012 والأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ساق السرطان أعداداً جديدة تخطت عتبة الخمسة آلاف، استناداً إلى تقريرٍ صادر عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، تحدّث عن تسجيل لبنان 17 ألفاً و294 إصابة بالسرطان حتى أيلول الماضي.
أرقام المصابين ليست وحدها التي تسير تصاعدياً، بل أيضاً تلك التي تتعلق بتكاليف العلاج. وهو ما تشير اليه آخر نسخة من الدراسة التي قامت بها وزارة الصحة العامة حول «كلفة أدوية السرطان في لبنان بين 2014 و2016» (وهي التي تقدمها الوزارة مجاناً لمن ليس لديهم تغطية صحية رسمية) وتلك التي قامت بها الوزارة عن الفترة الممتدة بين 2008 و2013.
فعلى مدى عشر سنوات، ارتفع متوسّط كلفة الدواء لكل مريض، سنوياً، في كل أنواع السرطان من 4863 دولاراً في 2008 إلى 8400 دولار عام 2017.
بين 2014 و2016، أنفقت وزارة الصحة العامة نحو 140 مليون دولار على أدوية السرطان، مع تسجيل زيادة في الإنفاق بنسبة 27%. وهي نسبة تفوق ما كانت عليه خلال ست سنوات سابقة (بين 2008 و2013)، حيث كان الإنفاق على أدوية السرطان يقارب 174 مليون دولار.
وفي التفسيرات التي يوردها التقرير، يمكن الحديث عن خلاصة بشقين: الأولى تتعلّق بدخول أنواعٍ جديدة من العلاجات المناعية والمحددة الهدف (targeted)، وهي التي ساهمت بزيادة الكلفة، وثانيها يتحدث ــــ وإن بطريقة لطيفة ــــ عن إمساك شركات الأدوية برقابنا في الشق المتعلّق بتسعير تلك الأدوية وهاجسها الدائم لربطنا بكل ما تصدره من جديد، ولو لم يحمل جديداً سوى بعض المحسّنات الجانبية وتغيير أغلفة الأدوية «emballage”. وفي آخر الأسباب، يتحدث التقرير عن توصيات تتعلّق بسعي وزارة الصحة لخفض تلك الفاتورة، خصوصاً في الشق المتعلق بأسعار أدوية الشركات وأخرى تتحدّث عن تطبيق العلاج التخفيفي.
لكن، هناك شقاً خارج التقرير، يتعلّق بما يسمى «بروتوكول علاج الأورام الخبيثة» الذي تشكّل بموجب قرار صادر عن «الصحة» عام 2009. فهذا البروتوكول يفترض أنه يهدف إلى «ترشيد استخدام الدواء والموارد المتاحة بما لا يتعارض مع مصلحة المريض وينعكس إيجاباً على كلفة علاجه». وهذا يعني أمرين: أولهما متابعة المريض في كل مراحل علاجه. أي رسم خطة علاجٍ محدّدة زمنياً ومراقبة المريض خلالها ما إذا كان يستجيب أم لا. ففي حال عدم الإستجابة للعلاجات، يصبح من الضروري التوجه صوب خيارات أخرى، منها خيار العلاج التخفيفي (أي تسكين الآلام). هذه وحدها تسهم في تخفيف الإنفاق على الأدوية إلى حدود النصف، بحسب وزير الصحة السابق، الدكتور محمد جواد خليفة. وفي هذا الإطار، يتحدّث خليفة عن تجارب دول متقدمة يعمل أطباؤها على «وقف علاجات الأورام المستعصية قبل 7 أشهر وحتى عام من وفاة المصاب، إذا ثبت في المراقبة أنه لا يستجيب للعلاج». لكن، ما يحصل في لبنان أن علاج المرض يستمر حتى الوفاة. وهذه مسؤولية تقع على عاتق أطراف عدة، منها المريض الذي تبقى عائلته متشبثة بعلاجه حتى آخر لحظة من حياته، ومنها الطبيب. وهنا، يتحدّث خليفة عن أطباء يكملون في العلاج، حتى مع سوء نوعية حياة المريض «QUALITY OF LIFE»وعدم استجابته للعلاج. وهذا جزء كبير من المسؤولية. ثمة جزء آخر يتعلّق بمافيا شركات الأدوية التي تمسك برقاب المرضى بأدوية السرطان. وبغضّ النظر عن بعض العلاجات الجديدة التي تثبت فعالية في مواجهة المرض، إلا أنه يمكن الحديث هنا عن استراتيجية الشركات الكبرى في الإبتكار الدائم لأدوية جديدة مع نحسينات طفيفة، حالما تستشعر بخطر أدوية «الجينيريك». هذه «التحسينات» تزيد إلى الدواء كلفة إضافية تحتسب بآلاف الدولارات. وهي، على كل حال، خدعة تنطلي على الشارين الذين «لا يملكون جرأة القرار لشراء أدوية الجينيريك». وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام قضية الدواء «الجينيريك» ليس فقط في أدوية الأورام المستعصية وإنما معظم الأدوية. وهناك شق أخير يتعلّق بوزارة الصحة نفسها، وتحديداً تلك التي تتعلّق بلجنة الموافقة على الأدوية، فمن الضروري العمل على تطوير عمل تلك اللجنة، والمطلوب منها ليس توقيع الأوراق وإنما استعراض سجل المريض لتقدير الحاجة إلى العلاج من عدمه. لكن، أين يحدث ذلك؟ الأكيد أنه ليس في «الصحة» ولا عند أي من الجهات الضامنة.