رضوان مرتضى – الأخبار
طلب قاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا، إنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بحق المدعى عليه في أكبر عملية قرصنة إلكترونية في تاريخ لبنان خليل صحناوي، والمقرصنَين اللذين يعملان لحسابه، متهماً إياهم بارتكاب جناية. وفي ظل الفراغ القانوني في ما خص الجريمة الإلكترونية، شبّه بو غيدا المقرصن الذي يستولي على أشياء تخصّ غيره باستعمال مفاتيح إلكترونية تخلع أبواب الشبكة المقفلة، كالذي يستولي على أموال غيره وموجوداته بواسطة الكسر والخلع. استخرج بوغيدا مادة قانونية طلب بموجبها للمقرصنين عقوبة السجن لمدة ٥ سنوات.
تحرّك القضاء العسكري للتحقيق في اختراق أربعة مدعى عليهم في قرصنة مواقع قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة. أحال مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الملف على قاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا، الذي استجوب الموقوفين الأربعة. جديد التحقيقات كشفه بو غيدا في قراره الاتهامي في اعترافات المقرصن الإلكتروني رامي ص. الذي أفاد بأن المدعى عليه خليل صحناوي زوّده ببرنامج اختراق لشبكات المؤسسات الأمنية وكافة الشبكات الأخرى في لبنان، كاشفاً أنّه استطاع من خلاله الدخول إلى شبكة قوى الأمن الداخلي والحصول على معلومات لجداول كلمات المرور وملفات لها علاقة بالسير وجداول أسماء الضباط ومواقع عملهم وأرقام هواتفهم. وذكر أنّه سلّم هذه المعلومات لصحناوي. حتى إنّ صحناوي لم يُنكر تزويده بهذه البرامج، قائلاً: «طلب مني إعطاءه إياها ففعلت». كذلك لم يُنكر صحناوي تسلّمه الداتا المقرصنة من رامي المتعلقة بالأجهزة الأمنية قائلاً: «بعد تسلّمها لم أُعطها لأحد، ولم أُعرها أهمية». غير أنّه بقي يُنكر أن يكون قد طلب من رامي تنفيذ عمليات القرصنة هذه.
استهلّ القاضي بو غيدا قراره، معتبراً أنّ فعل القرصنة الذي ارتكبه صحناوي وشريكاه يشكّل جريمة بكامل عناصرها المادية والمعنوية، معتبراً أنّها أصبحت اليوم من أكبر التحديات للأمن الوطني في كافة دول العالم. سرد بو غيدا مخاطر القرصنة وتداعياتها على الدولة والشركات الخاصة والمواطنين، معتبراً أنّها قد تطاول «البنى التحتية كقطع أسلاك الاتصالات في قَعر البحر، ما يشلّ خدمات الإنترنت. كذلك فإنها تُدمّر الاقتصاد الوطني بشكل خطير». ذكر بو غيدا في متن قراره أنّه استفسر من المدعى عليهم والشهود عن الفوائد التي قد يجنيها المقرصن، فأجابوه: ١) بيع المعلومات المقرصنة. ٢) ابتزاز أصحاب المواقع التي تجري قرصنتها للحصول على فدية منهم مقابل عدم نشر المعلومات، تماماً كجريمة الخطف والمطالبة بفدية مالية. ٣) الخطورة الأمنية المتمثلة بمعرفة أسماء الضباط ومهماتهم والبريد الإلكتروني لكبار المسؤولين منهم، كما حصل بالبريد العائد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. إضافة إلى الحصول على أسماء الموقوفين ومراكز توقيفهم وطريقة عمل كاميرات المراقبة في بيروت ومحاضر مخالفات السير، حيث يستطيع المقرصن التلاعب بقيمتها. ٤) التعدي على خصوصية المنظمات والجمعيات والأحزاب وأعمالها وأسرارها، بمعرفة أسماء عناصرها ومهماتهم واللوائح الانتخابية الداخلية. وكشف بو غيدا أنّه جرت قرصنة موقع التيار الوطني الحر.
لقد برز لافتاً في متن القرار الظني أنّ المقرصن رامي ص. يعمل لدى صحناوي، بحيث كان يزوّده بالمعلومات المقرصنة وطريقة الدخول إلى الشبكات المذكورة. لقد شبّه بو غيدا المقرصن الذي يستولي على أشياء تخصّ غيره باستعمال مفاتيح إلكترونية تخلع أبواب الشبكة المقفلة، كالذي يستولي على أموال غيره وموجوداته بواسطة الكسر والخلع. انطلق قاضي التحقيق العسكري الأول من هذا التشبيه ليُعيد سرد القصة منذ بدايتها. بدأ من إلقاء القبض على المقرصنَين رامي ص. وإيهاب ش. اللذين قرصنا مواقع هيئة «أوجيرو» وشركات خاصة وبنوك وسرقا معلومات منها. استجوب بو غيدا المقرصن رامي ص. الذي ذكر أنّ إيهاب ش. يساعده في القرصنة، كاشفاً أنّهما قاما معاً بقرصنة خادم تابع لشركة I.D.M، يستضيف مواقع للأمن العام وأمن الدولة والبريد الإلكتروني لهاتين المؤسستين.
وذكر رامي أنّه لم يعثر على معلومات لدى أمن الدولة، فقرر أخذ عناوين البريد الإلكتروني لأكثرية الضباط. أما بالنسبة إلى الأمن العام، فذكر أنّه حصل على معلومات عن البريد الإلكتروني للمدير العام عثر فيها على دعوات إلى مؤتمرات ومعلومات عن الضباط، منهم الضابط من آل قشمر المسؤول عن المعلوماتية في الأمن العام. اللافت أنّ المقرصن رامي ردّ على سؤال القاضي عن سبب عدم استعانة صحناوي بالموظفين الأجانب الذين يعملون في شركته، والاستعانة به هو، بالقول: «رفضوا طلبه بتزويده بمعلومات مقرصنة». لماذا قبلت أنت؟ أجاب رامي: «لأنه كان يساعدني مادياً وأعطاني وظيفة عنده». أما الموقوف الثاني إيهاب ش. فردّ على سؤال القاضي عن دور صحناوي بالقول: «إنّ صديقي رامي أخبرني أنّ خليل صحناوي كان يطلب قرصنة مواقع شركات ومؤسسات أمنية». أما الموقوف الثالث كريستوفر د. فأفاد خلال التحقيق بأنّ المقرصنين رامي وإيهاب طلبا منه المساعدة التقنية بالوصول من شبكة قوى الأمن الداخلي إلى كاميرات السير، لكنّه رفض مساعدتهما لعدم توريط نفسه. ولدى سؤاله عن سبب عدم إبلاغ قوى الأمن، ردّ: «اتبعت سياسة النأي بالنفس».
وخلُص بو غيدا إلى أنّ رامي وإيهاب أقدما على قرصنة المواقع الأمنية بطلب من المدعى عليه صحناوي، واعتبر أنّهما بعد قرصنتهما لهذه المواقع حصلا على معلومات «يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة». ورأى بوغيدا أنّ تزويد صحناوي المقرصنين ببرامج اختراق مكّنهما من الحصول على المعلومات المسروقة، بحيث إنّه لو لم يُزوّدهما بتلك البرامج، لما استطاعا قرصنة تلك الشبكات. أما في ما يتعلق بكريستوفر، فرأى أنّ عناصر الجرم الملاحق به غير مكتملة. وقد استند بوغيدا، بصورة رئيسية، إلى نص المادة 282 من قانون العقوبات، التي تنص على أنّ «من سرق أشياء أو وثائق أو معلومات (يجب أن تبقى سرية) أو استحصل عليها، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة»، أي السجن لحد خمس سنوات، وألحقها في الفقرة الثانية بالإشارة إلى أنّه إذا اقتُرفت هذه الجناية لمنفعة دولة أجنبية كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة.
لذلك، قرر وفقاً لمطالعة النيابة العامة، وخلافاً لها، اتهام المدعى عليهم خليل صحناوي ورامي ص. وإيهاب ش. بموجب مواد تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وإصدار مذكرة إلقاء قبض بحقهم، وأحالهم على المحكمة العسكرية الدائمة للمحاكمة. كذلك منع القاضي المحاكمة عن كريستوفر، لعدم وجود الدليل.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الملف منفصل عن ملف التحقيق في الدعوى القائمة أمام قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم، على خلفية عمليات القرصنة. فالملف الذي كان ينظر به بيرم (قبل يوم الثلاثاء الماضي، عندما طلب وكلاء صحناوي تنحيته عن القضية)، محصور بقرصنة مؤسسات مدنية. أما الملف الذي نظر فيه بو غيدا وأصدر قراره الاتهامي بشأنه أمس، فمتصل باختراق مواقع أجهزة أمنية.