لايزال الغموض يلف مصير الصحافي السعودي بعد يومين على دخوله القنصلية العامة للمملكة في إسطنبول. وخاشقجي، المعروف بانتقاده الشرس لسلطات بلاده، اختار العيش في المنفى في الولايات المتحدة السنة الماضية خوفا من احتمال توقيفه لا سيما بعدما انتقد عددا من قرارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتدخل العسكري للرياض في اليمن.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين الأربعاء "طبقا للمعلومات التي لدينا فإن هذا الشخص السعودي الجنسية لا يزال في القنصلية حتى الآن"، مضيفا أن وزارة الخارجية التركية والشرطة تراقبان الوضع من كثب وأن أنقرة على اتصال بمسؤولين سعوديين.
من جهتها قالت سفارة السعودية في واشنطن أن المعلومات التي تفيد بأن الصحافي محتجز في القنصلية "خاطئة". وأوضحت القنصلية العامة للسعودية في إسطنبول أنها "تقوم بإجراءات المتابعة والتنسيق مع السلطات المحلية التركية الشقيقة لكشف ملابسات اختفاء المواطن جمال خاشقجي بعد خروجه من مبنى القنصلية" السعودية، بحسب ما جاء في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".
ولم يظهر خاشقجي (59 عاما) كاتب المقال في صحيفة واشنطن بوست منذ دخوله القنصلية السعودية الثلاثاء لإجراء معاملات إدارية تمهيدا لزواجه حسب ما أفادت خطيبته التركية. واعتصمت خديجة أ. (36 عاما) أمام القنصلية في إسطنبول منذ صباح الأربعاء سعيا إلى الحصول على معلومات غداة اختفائه.
وصرحت خديجة رافضة كشف اسم عائلتها "لم أتلق أي خبر عنه منذ الساعة 13,00 (10 ت.غ) الثلاثاء. أريد أن أعرف مكانه". وتابعت "أريد أن أراه يخرج سليما معافى". وكانت خديجة قد رافقته إلى القنصلية التي منعت من دخولها فانتظرته خارجها، وهي التي أنذرت بعدم ظهوره من المبنى بعد إغلاق المكان عند الساعة 17,00.
ويشار إلى أن العلاقة بين تركيا والسعودية القويتين في المنطقة يشوبها التوتر بسبب العلاقات التي تربط أنقرة بقطر وإيران.
وقال رئيس تحرير صفحة الرأي في واشنطن بوست إيلي لوبيز في بيان نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية "عجزنا عن الاتصال بجمال ونحن قلقون جدا ونود معرفة مكان وجوده". وأضاف "نراقب الوضع من كثب ونحاول جمع معلومات. إن احتجازه بسبب عمله كصحافي ومعلق سيكون ظالما ومشينا" في حال تأكد ذلك.
"خوف وترهيب واعتقالات"
المثقف والكاتب المعروف خاشقجي، صحافي محنك بات ينتقد الحكم السعودي في الأشهر الأخيرة، في حين كان يعتبر مقربا من السلطات سابقا. وترك خاشقجي السعودية في أيلول/سبتمبر 2017 في خضم موجة اعتقالات طالت مثقفين ودعاة إسلاميين.
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن اختفاء خاشقجي "يثير قلقا بالغا "داعية السلطات السعودية والتركية إلى "القيام بما هو ضروري ليعاود الظهور حرا في أسرع وقت".
وفي مقال كتبه في "واشنطن بوست" في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، قال خاشقجي "عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات وتشويه صورة المثقفين ورجال الدين الذين يتجرؤون على قول ما يفكرون فيه، ثم أقول لكم إنني من السعودية، فهل تتفاجؤون؟".
وفي الشهر نفسه، أعلن خاشقجي أنه منع من كتابة المقالات في صحيفة الحياة التي يملكها الأمير السعودي خالد بن سلطان، مع إقراره بأنه دافع عن جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي لم يرق للأمير السعودي على ما يبدو. وفي حين تعتبر السلطات السعودية أن الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، فإن تركيا تعتبر أحد أبرز داعمي الجماعة.
وبات وسم "خطف جمال خاشقجي" الأكثر تداولا بالعربية على موقع تويتر منذ مساء الثلاثاء.
"هل يفتقد برنامج" محمد سلمان "لأهم إصلاح"؟
وكان خاشقجي قد كتب مقالات انتقد فيها بعض سياسات ولي العهد السعودي، وقال إن المملكة منعته قبل أن يغادرها، من استخدام موقع تويتر للرسائل القصيرة "عندما حذرت من المبالغة في الحماسة للرئيس (الأمريكي) دونالد ترامب عند انتخابه".
وكتب خاشقجي في مقال مع روبرت لايسي في صحيفة ذي غارديان البريطانية في آذار/مارس الماضي "بالنسبة لبرنامج الإصلاح الداخلي فإن ولي العهد يستحق الثناء" لكنهما أشارا إلى أنه "لم يشجع ولم يسمح بأي نقاش في السعودية حول طبيعة تغييراته".
وأورد المقال أيضا أن ولي العهد السعودي "ينقل البلاد من التطرف الديني إلى نسخته الخاصة من التطرف المبنية على وجوب قبولكم إصلاحي بدون أي تشاور -مصحوبا باعتقالات واختفاء منتقديه".
وتساءل الكاتبان ما إذا كان "برنامجه يفتقد لأهم إصلاح وهو الديموقراطية".
انتقد خاشقجي أيضا سياسة السعودية تجاه اليمن وقطر. إذ تتدخل السعودية على رأس تحالف عسكري في اليمن دعما للحكومة المعترف بها دوليا بعدما تمكن الحوثيون من السيطرة على مناطق واسعة من البلاد بينها العاصمة صنعاء.
والعلاقات بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، مقطوعة منذ الخامس من حزيران/يونيو 2017.
علاقات غامضة؟
وارتبط خاشقجي بعلاقات غامضة مع السلطات السعودية وعمل مستشارا في الرياض وواشنطن كما عمل مستشارا للأمير تركي الفيصل الذي كان مسؤولا عن المخابرات السعودية. كما تربطه علاقات عمل بالأمير الملياردير الوليد بن طلال.
ولد خاشقجي في المدينة المنورة في السعودية بدأ مهنته كصحافي في الثمانينات وكتب لصحف سعودية مثل عكاظ والشرق الأوسط وسعودي غازيت وغطى النزاع في أفغانستان. وأجرى خاشقجي مقابلات أسامة بن لادن مرات عدة.
وأجبر بسبب مواقفه التي اعتبرتها السلطات السعودية تقدمية للغاية، في عام 2003 على الاستقالة من منصبه كرئيس تحرير لصحيفة الوطن. وعاد مرة أخرى في 2007 ثم غادرها في 2010.
وتحتل السعودية المرتبة 169 بين 180 دولة ضمن التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي وضعته منظمة مراسلون بلا حدود. ورغم الانفتاح الذي تشهده السعودية بمبادرة من ولي عهدها محمد بن سلمان يستمر فيها قمع المعارضين وتوقيف رجال الدين والشخصيات الليبرالية والناشطات دفاعا عن حقوق النساء.
مها بن عبد العظيم
نشرت في : 04/10/2018