عماد مرمل – الجمهورية
لا يزال عرض «السيرك» الذي قدّمه بنيامين نتنياهو على منبر الأمم المتحدة يتفاعل على اكثر من مستوى. صحيح انّ الأضاليل والتهديدات الاسرائيلية في حقّ لبنان و»حزب الله» ليست جديدة، لكنها هذه المرة اتّخذت شكلاً نافراً بشدة، بعدما استعمل نتنياهو شرفة المنظمة الدولية في نيويورك من اجل محاولة إقناع العالم بأنّ «حزب الله» يستخدم مواقع حيوية قرب مطار رفيق الحريري الدولي لتخزين الصواريخ وإعادة تحويلها. وعليه، ما هي أهداف هذه الحملة الدعائية «المسمومة»؟ وكيف سيتعامل معها «حزب الله»؟
من الواضح انّ نتنياهو أراد من خلال «زوبعة نيويورك» تحقيق أهداف عدة، من بينها شدّ العصب الدولي ضد الحزب، واللعب على وتر الفتنة الداخلية عبر تصوير مطار رفيق الحريري كأنه ضحية لوجود الصواريخ قريباً منه، وصولاً الى تحريض الدولة اللبنانية والناس على «حزب الله»، خصوصاً أولئك القاطنين قرب المطار من المنتمين الى البيئة الحاضنة، إنطلاقاً من الترويج بأنه يخزّن الصواريخ في أماكن مدنيّة وفي محاذاة مرفق حيوي، وبالتالي يُعرّض هذه النقاط للخطر.
وقد أتت التغريدات المتلاحقة للناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي لكي تكشف في وضوح حقيقة النيات الكامنة خلف استعراض نتنياهو، إذ وصل الامر بأدرعي الى حدّ الدخول في أدق التفاصيل اللبنانية ومحاولة العبث بها، مثلما فعل أمس حين خاطب إدارة مطعم وفندق «الساحة» اللذين يقعان على طريق المطار، محذِّراً إياها من تداعيات تصرفات «الحزب» على مستقبل هذه المؤسسة، علماً أنّ أدرعي نفسه كان قد دعا المسافرين في إحدى الرحلات قبل ايام الى التدقيق في المواقع التي عرضها نتنياهو أثناء هبوطهم في المطار!
ولم يتوقف أدرعي هنا، بل هاجم وزير الخارجية جبران باسيل، ناشراً صورة تجمعه مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مرفقة بتعليق ساخر، ومستهزئاً بالجولة التي نظّمها للسفراء في الاماكن التي استهدفتها «الغارات الإعلامية» الإسرائيلية.
وإذا كان باسيل قد بادر الى شنّ هجوم ديبلوماسي مضاد وغير تقليدي لكشف الأكاذيب الإسرائيلية، فإنّ «حزب الله» اختار ان يتسلّح بالصمت ويتعاطى ببرودة أعصاب مع «الفيلم الاسرائيلي» الذي تولّى دور البطولة فيه هذه المرة نتنياهو شخصياً. ويؤكد المطّلعون على طريقة مقاربة حارة حريك لحملة نتنياهو أنّ «الحزب» ليس معنيّاً بالتعليق العلني عليها، استناداً الى قاعدة يتّبعها في سياسته الإعلامية وقوامها أنه هو الذي يختار متى وكيف يعلّق على أمور حسّاسة تتصل بالجوانب الامنية والعسكرية في النزاع مع اسرائيل، وأنه لا يتصرّف تحت الضغط أو من موقع ردّ الفعل مهما كانت حبكة الاستدراج متقنة.
يشعر «الحزب» أنّ تل أبيب تخوض معركةً دعائية ضده وضد العمق اللبناني الذي يوجد فيه، سعياً الى استعادة المبادرة في «الحرب النفسية» التي احتدمت أخيراً، بعدما نجح السيد نصرالله خلال إطلالاته في الإمساك بها والتحكّم بزمامها. إلّا أنّ «الحزب» الذي بات يمتلك خبرة واسعة في هذا النوع من المواجهات مع عدوه مصمّمٌ على عدم الوقوع في «الفخّ الاسرائيلي» ويحرص على تفادي منح تل أبيب أيّ إشارات قد تستفيد منها في تأكيد أو نفي الـ«داتا» التي تملكها حول ترسانته الصاروخية. ولذلك، يفضّل «الحزب» التزامَ الصمت حيال ما صدر عن نتنياهو، على رغم حساسيّة ادّعاءاته وخُبثها، تاركاً إياه يتأرجح بين احتمالات الصواب والخطأ في تقديراته العسكرية من دون أن يروي غليله، ولو بنقطة حبر واحدة..
ويشير العارفون الى أنّ «الحزب» لن يعطي الكيان الاسرائيلي معلومات مجانية من أيِّ نوع، وفي أيِّ ظرف، ولن يكشف عمّا يملكه أو لا يمكله إلّا بالمقدار الذي يخدم استراتيجية المواجهة ويُحسّن شروط توازن الردع وحماية لبنان، في اطار منع العدوان أو التصدي له إذا حصل.
يدرك «الحزب» أنه يكفي أن «ينزلق» مرة واحدة ويردّ بالإنكار، أو بالإقرار، على ما يتداوله المسؤولون الإسرائيليون حول مخزونه العسكري، حتى يفقد ورقة «الغموض» التي تؤرق الكيان الاسرائيلي، ويُصبح مضطراً الى اللحاق بإيقاعه. وما سهّل عليه تجاهل همروجة نتنياهو هو أنّ معظم الرأي العام اللبناني لم يتأثر بها، والدولة نجحت في احتوائها عبر التحرّك السريع لوزير الخارجية الذي اصطحب السفراء الى محيط المطار للتثبّت بالعين المجردة من خلوِّها من مخازن الصواريخ وبنيّة إعادة تحويلها.
والمفارقة، وفق القريبين من «الحزب»، هو انّ نتنياهو اعترف ضمناً، من خلال ما أدلى به، بأنّ نصرالله كان على حقّ عندما أكد أنّ «الأمر تمّ»، وأنّ الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة أصبحت في متناول المقاومة، على رغم الضربات الإسرائيلية في سوريا، لمنع نقل السلاح اليه.