ويرى إغناطيوس أن الولايات المتحدة باتت اليوم تدعم، وإن بطريقة ضمنية، حل الدولة الواحدة. ويقول الكاتب: "مرة أخرى ينهار الإجماع الحزبي حول سياسة خارجية هذا الأسبوع، عندما قرر وزير الخارجية مايك بومبيو التخلي عن حكم قانوني ينص على أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الضفة الغربية المحتلة (لا تتوافق مع القانون الدولي)".
ويشير إغناطيوس إلى أن بومبيو قدم هذا التغير في السياسة بصفته نوعا من التقبل البراغماتي، قائلا: "ما فعلناه اليوم هو القبول بالواقع على الأرض"، وأضاف أن الولايات المتحدة يمكنها المساعدة في حل المشكلة الفلسطينية من خلال "إزاحة هذا العائق، وبهذه الطريقة سيكون هناك حل قانوني".
ويعلق الكاتب قائلا: "لا جدال مع بومبيو في رأيه، وبأن السياسة السابقة لم تنجح، فالمستوطنات الإسرائيلية كثيرة، ولن تقوم الحكومة الإسرائيلية أو أي قوة خارجية بتفكيكها بالقوة، بالإضافة إلى أن التقدم العنيد في المستوطنات يجعل من حل الدولتين صعبا أكثر من الماضي".
ويستدرك إغناطيوس بأن "السياسة الواقعية تأتي بثمن، تماما مثل التخلي عن المبادئ القانونية والأخلاقية، وبهذا القرار فقد تمت المصادقة ومن جديد على أن الفلسطينيين هم أكبر الخاسرين في التاريخ الحديث، ولماذا؟ لأنهم اعتمدوا على الوعود الأميركية لمنع إسرائيل من السيطرة على الأرض بالقوة بعد الحروب العربية- الإسرائيلية في 1967 و1973. فقد منحت تسع إدارات متتالية لهم التأكيد ذاته، وثبت اليوم أن ذلك كان كلاما فارغا".
ويعتقد الكاتب أن "هذه القصة هي درس قاس، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، وفي بعض الأحيان تكون الخسارة الحقيقية بخسارة الأسباب، والويل للمهزوم، ويمكن للفلسطينيين الشهادة على هذا، كما يمكن للهنود الحمر قريبا منا ذلك".
ويقول إغناطيوس: "لم تكن الولايات المتحدة في يوم ما وسيطا يمكن الثقة فيه في النزاع؛ نظرا لعلاقتها القريبة مع إسرائيل، إلا أن الرؤساء كلهم حتى دونالد ترامب حاولوا التوسط في مفاوضات تفضي لإقامة دولة فلسطينية، ويبدو أن تلك الفترة قد مضت، فقد قرر ترامب الوقوف مع المنتصرين في المواضيع الرئيسية المتعلقة بوضع الضفة الغربية والقدس ومرتفعات الجولان".
ويقول إغناطيوس: "كوني صحافيا أتابع هذه القصة وهي تسير نحو هذا الطريق المسدود منذ 40 عاما، وقضيت ذات مرة أسبوعا في قرية فلسطينية في الضفة الغربية، وتابعت قضية الشتات الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين في قرية فلسطينية أخرى، وتحدثت مع إرهابيين فلسطينيين ومسؤولي استخبارات، وفي الفترة الأخيرة مع سياسيين متحمسين، لكنهم تعساء، وقابلت مزارعين فلسطينيين غطوا علبة المناديل بتطريز على شكل العلم الفلسطيني، ووضعوا خريطة فلسطين في داخل إطار".
ويلفت إغناطيوس إلى أنه قابل على مدى العقود الماضية رؤساء الوزراء الإسرائيليين كلهم منذ مناحيم بيغن، وطور علاقة عاطفية مع إسرائيل، قائلا إنه استمع من الإسرائيليين حنينهم للسلام وازدراءهم للمستوطنين الذين يعرقلونه، و"لا أشك بأن هناك حزنا عميقا بين الكثير من الإسرائيليين من قرار بومبيو التخلي عن السياسة الأميركية السابقة ومكافأة أكثر المواطنين تصلبا".
واليوم، يبدو أن بومبيو لا يعلم أن الولايات المتحدة باتت تصادق على حل الدولة الواحدة، مجبرا إسرائيل على اتخاذ قرار صعب حول حرمان السكان العرب من حقوقهم الكاملة، وربما تمرد الإسرائيليون على هذا القرار، وأحيوا مشروع الدولة الفلسطينية، وربما قبل الفلسطينيون الذين تعبوا من الهزائم بشيء أقل من الدولة.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "من خلال تفكيك أميركا لأعمدة النظام الدولي فإنها ستفقد معه دورها بصفتها صانعة سلام بطريقة لم تكن تتخيلها، خاصة عندما تصبح الحقيقة على الأرض أكثر بشاعة".