خلال الستينات من القرن الماضي، تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مجال السيادة على الفضاء، لكن كان هناك منافس آخر عربي في هذا السباق، وهو "جمعية الصواريخ اللبنانية"، وهو نادي علمي في بيروت.
يقول مانوغ مانوغيان، أستاذ الفيزياء بجامعة ساوث فلوريدا الأميركية: "كان حلمي استكشاف الفضاء.. ولبنان كان بوسعه القيام بهذا".
ويبدو تباهي مانوغيان أمراً غير متوقع، لكن قبل 50 عاماً وجد نفسه مع مجموعة من الطلاب وقد أصبحوا رواداً في مجال الفضاء بالعالم العربي. ففي ذلك الحين، وبالرغم من الميزانية المحدودة، فقد تمكن هؤلاء من تطوير صاروخ قادر على الوصول إلى أطراف الفضاء، عرف بصاروخ "أرز".
ويقول مانوغيان: "لبنان الصغير هذا كان قادراً على القيام بما لم يفعله باقي العالم العربي. كنا شبابا صغاراً في أوائل العشرين من العمر، نفعل شيئاً مذهلاً".
ويوضح مانوغيان أنّه "كان يجب كل شيء من الصفر لهذا المشروع. فقد تم تصميم نماذج الصواريخ من الورق المقوى وبقايا مواسير، وتم اختبارها في مزرعة في الجبال المطلة على بيروت". وأضاف: "بمجرد اتمام مرحلة الاشتعال، سقط الصاروخ، الذي كان مثبتاً على منصة بدائية للغاية، ثم ارتفع أعلى الجبل وهبط أمام كنيسة."
وبعد هذه التجربة، قام مانوغيان وفريقه المؤلف من 7 طلاب، بإدخال تعديلات على التصميمات، وأصبحوا أكثر طموحاً بشأن إطلاق الصاروخ. وتم تكليف كل طالب بتطوير جانب مختلف من الصاروخ. وبحلول أبريل/ نيسان عام 1961، أصبح بإمكان الصاروخ الوصول إلى ارتفاع ألف متر. وتمكن بعدها الصاروخ التالي من الوصول لارتفاع ألفي متر.
وانتشر الحديث عن هذه التجربة، حيث اهتم الجيش اللبناني بالأمر، وعرض على الفريق الاستعانة بخدمات جوزيف وهبة وهو ضابط شاب متخصص في الصواريخ الباليستية. يقول مانوغيان: "تم إبلاغنا أننا بحاجة لمنطقة آمنة لنطلق منها (الصواريخ). وقد وفروا لنا منطقة قديمة (لإطلاق قذائف) مدفعية، ووسائل نقل للوصول إلى هناك".
استطاع وهبة الحصول على مكونات من فرنسا والولايات المتحدة، والتي لم يكن الفريق ليحصل عليها دون مساعدته. وجنّد وهبة مصنعاً عسكرياً للمشروع من أجل السماح ببناء صواريخ أكثر تطورا، لكن مانوغيان كان مازال ينظر إلى الأمر باعتباره مسعى علمياً بحتاً.
ويقول مانوغيان "كان الجيش يسأل دائما ما هو المدى الذي سيذهب إليه هذا الصاروخ إذا تم تحميل مواد في مقدمة الصاروخ مخروطية الشكل. وكان ردي أن هذه ليست عملية عسكرية، وأن الأمر يتعلق بتدريس العلوم للطلاب. كانت هذه مهمتي."
وأصبحت جمعية الصواريخ مصدر فخر وطني. ودعي مانوغيان إلى حفل استقبال أقامه الرئيس اللبناني فؤاد شهاب حيث تم إبلاغه أن وزارة التعليم ستمنح المشروع تمويلاً محدوداً لعامي 1962 و1963. وأعيد تغيير الاسم ليصبح الجمعية اللبنانية للصواريخ وجرى تبني شعار وطني للبرنامج. وبهذا انضم لبنان إلى سباق الفضاء، رغم أن تقدمه كان بوتيرة أبطأ.
وفي العام 1962، أطلق الصاروخ أرز-3 أطلق وكان طوله 7 أمتار ووزنه 1250 كيلوغراماً. أما صاروخ أرز-4 الذي أطلق عام 1963 نجاحاً كبيراً حتى أنه جرى الاحتفاء به من خلال طباعة صورته على طابع بريد رسمي. وكان ذلك الصاروخ يصل لارتفاع 145 كم، مما وضعه على مقربة من ارتفاع الأقمار الصناعية في المدار المنخفض.
وبدورها انتهت آخر تجربة إطلاق صاروخ تجريها جمعية الصواريخ اللبنانية بشكل كارثي. ففي العام 1966، أطلق صاروخ في البحر المتوسط، وكان على مسافة آمنة على ما يبدو من جزيرة قبرص، لكن مسار الصاروخ أخذه مباشرة نحو سفينة تابعة للبحرية البريطانية كانت تراقب عملية الإطلاق، وهبط على بعد أمتار قليلة منها.
وتلقى مانوغيان تحذيرات من أصدقائه في السفارة الأميركية بأن مواجهة أخرى مع إسرائيل أصبحت وشيكة. وقال مانوغيان إن هؤلاء الأصدقاء كان يطلق عليهم ملحقين ثقافيين، لكننا كنا نعلم أنهم من المخابرات المركزية الأميركية. وقبل وقوع حرب 1967، عاد مانوغيان إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث أمضى باقي حياته الأكاديمية.
وتراجعت ذكريات نادي الصواريخ اللبناني، كما فقدت مواد من أرشيفه خلال الحرب الأهلية في البلاد. وغادر غالبية الطلاب للعمل في الخارج.