تتلاقى في ساحتي رياض الصلح - الشهداء، مجموعات متنوعة التفكير والإنتماء، تخّطت جميع العراقيل كي ترفع صوتاً واحداً الا وهو صوت الوجع، هذه المجموعات وإن كانت تحمل في "الكادر" الواسع شعارات مطلبية - حقوقية، غير أنّ لكل فرد منها قصّته في هذا الوطن الذي أنهك مواطنيه.
في الساحتين "ساحات" مصغّرة، وجوه لا تعرف بعضها، تتآلف في خيم جانبية عُلّق عليها يافطات، كما كل الجدران التي فتحت فضاءها لشعاري "الثورة النسوية"، و"إسقاط النظام" بالدرجة الأولى، إضافة إلى الشعارات المطالبة بمنح الأم اللبنانية الحق في إعطاء ابنها الجنسية، والشعارات الحياتية.
هاتان الساحتان اللتان ما زالتا تتعرضان للتهويل من قبل عناصر غير منضبطة ملتزمة حزبياً، عناصر تتشارك هي والمتظاهرين المعاناة نفسها، ومكانها الطبيعي هو في أرض الاعتصام، لولا "اسم" الزعيم الذي لا يمكن أن يشمله شعار "كلن يعني كلن" بحسب مناصريه، هاتان الساحتان ما زالتا تقاومان، حقاً، "باللحم الحي"، والمقاومة تحوّلت جهاداً بعد استقالة الحريري والغزوة التي حلّت بهما، يضاف إلى ذلك السلطة العسكرية والأمنية، التي تتعامل كل يوم من أيام الثورة، بصيغة، فيوماً تضرب بيدها الحديدية، ويوماً تتباكى على أوجاع المواطنين.
بعد استقالة الحكومة، استكان المتظاهرون في رياض الصلح وساحة الشهداء في استراحة محارب، غير أنّ صوت الثورة الذي لم يتراجع لحظة في شمال لبنان وفي ساحة النور تحديداً، أعاد نبض الانتفاضة إلى شرايين المناطق اللبنانية، وإلى قلب بيروت، ومع "أحد الوحدة"، وما سبقه من وفود ذهبت السبت إلى طرابلس، استعادت الساحات جميعها ليل الأحد نشاطها، فازدحمت بقوافل الموجوعين، الحالمين، العاشقين.
في رياض الصلح وساحة الشهداء، يرتفع مطلب "إسقاط النظام"، وتشهد الساحة العديد من النشاطات، حلقات نقاش، غناء، رقص، هتاف، محاضرات مصغّرة، وجلسات التدخين على وقع الثورة.
وسام الخضري، وهو من شباب "بيروت" الذين يعتصمون في هذه الساحة منذ أوّل أيام الثورة، أيّ على مدى 21 يوماً، يؤكد لـ"لبنان 24"، أنّهم باقون في الشارع، على أن يظلّ سلاح قطع الطرقات جانباً لاستعماله مجدداً في الوقت المناسب.
بحسب الخضري فإنّ التوجه العام هو نحو مراكز حساسة تخنق السلطة لا مواطنيها، كألفا، تاتش، شركة الكهرباء وغيرها.
هذا ويوضح الخضري أنّ بعض أحزاب السلطة حاولت ركوب الموجة والمشاركة في قطع الطرقات، وهذا ما سوف يرتد سلباً وليس ايجاباً - على حد قوله- لافتاً إلى أنّ هذا الأمر هو أحد الأسباب التي دفعت أغلب المجموعات إلى الانتقال إلى خطة ثانية .
ابن بيروت وعند سؤاله عن السبب المباشر الذي دفعه للنزول إلى الشارع بعيداً عن المطالب السياسية والحياتية المرفوعة قال: "مطلبي الأساسي والذي قد انسحب من الساحة في حال تحقق، هو العدالة"، متوقفاً عند رفع السلاح في وجه الناشطين والمتظاهرين من قبل مرافقي وزير الدولة لشؤون المهجرين غسان عطالله، ومرافقي وزير التربية أكرم شهيب، وحتى مرافقي النائب السابق مصباح الأحدب، ومعتبراً أنّه عندما يحاسب هؤلاء فإنّ العدالة تكون قد تحققت وبالتالي فحينما يكون القضاء بخير، نكون نحن بخير.
الناشطة نادين منذر "شمسطار"، تروي من جهتها تجربتها عن الساحات لـ"لبنان 24"، وفيما لا تتفاءل نادين بأنّ تبدل الصورة التي قدمتها المرأة الثائرة في الساحات، الصورة النمطية في بعض المجتمعات التي لديها رواسب فكرية واجتماعية لا يمكن التأثير فيها كثيراً، توضح بالتالي أنّها نزلت إلى الساحة كي تطالب بإسقاط نظام طائفي حوّل الوطن إلى مهزلة، وكي تحصل على شيء من الوطنية، في نظام لا تبعية فيه ويعامل الإنسان كإنسان.
نادين التي لا تتفاءل بالتغيير السريع، تراهن على أنّ ما يحصل اليوم هو البذرة التي سوف تؤسس لأشياء مستقبلية، معتبرة أنّ الجيل السابق لم يقم بشيء لأنّه كان خائفاً من شبح الحرب الأهلية، بينما الجيل الحالي اندفع إلى هذه الثورة على خلفية تراكمات عديدة وتحت شعار "كلن يعني كلن".
الناشط أحمد أمهز "بعلبك"، يؤكد في حديث لـ"لبنان 24"، أنّ الشبان والشابات في الساحات مستمرون، وأنّ نفسهم "طويل"، لافتاً إلى أنّ المشكلة في لبنان ليست في الأشخاص الذين في السدة السياسية وإنّما في النهج الذي يتيح الفساد ويمنع المحاسبة.
ونفى أحمد وجود شارعين يتواجهان في الطرق على مسألة قطعها، معتبراً أنّ الثوار في الشارع هم في وجه المحزبين، وأنّ قطع الطرقات هو جزء من العصيان المدني الذي لا بد منه وإن كانوا يحاولون في بعض الأحيان تجنّبه.