كأن العالم كله وجّه بنادقه ضد العهد في لبنان، ومرة واحدة، بيئياً ومالياً وسياسياً وحتى عسكرياً.
منظمة ”هيومان رايتس ووتش“ الحقوقية بدأت بحملة على الدولة اللبنانية نتيجة إدارتها الفاشلة والخطرة أيضاً لملف النفايات وحرقها بالأكوام، وطالبت بقانون جديد يضع خطة طويلة الأمد لمعالجة هذه المشكلة. طبعاً استخدمت هذه المنظمة عبارات لا تعرفها ثقافتنا السياسية ولا تفقهها الدولة اللبنانية، إذ قالت إن الحكومة تنتهك حق السكان بالصحة، وفقاً للقانون الدولي. هل يحق لنا بالصحة في هذا البلد النووي بنفاياته؟
وأكوام النفايات هذه كما رأينا الأسبوع الماضي، باتت متنقلة بين شواطئ الجمهورية، إذ سبحت بفعل العواصف والأمواج من مكبي الكوستابرافا وبرج حمود، إلى شاطئ كسروان الممتد من نهر الكلب إلى معمل زوق مصبح. هكذا رسم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل خريطة تنقلات النفايات، مطالباً الناخبين بمحاسبة السلطة في صناديق الاقتراع. وما حصل من سجال سياسي بعد هذا الاجتياح البيئي، بين الجميّل ووزير البيئة طارق الخطيب، دليل على أن هذه السلطة غير قادرة حتى على مخاطبة الرأي العام، ناهيك عن ايجاد حل ناجع لهذا الملف المتفجّر.
الخطيب لم يخرج للحديث عن سُبُل معالجة مشكلة النفايات المتراكمة والمتنقلة، بل من أجل شن هجوم شخصي على الجميّل، والحديث عن انتقال النفايات عبر نهر الكلب إلى مناطق جبل لبنان نتيجة ممارسات السكان. كان المشهد سريالياً للغاية. أن يتقاذف سياسيان لبنانيان الاتهامات فوق بحر من النفايات، ثم يدعوان لمحاسبة الآخر في صناديق الاقتراع، دون توفير حلول بديلة وناجحة، سيما من جانب الوزير المعني بالملف وحلّه أصلاً. ببساطة، ملف النفايات جزء من شبكة عقود تدر أرباحاً على مقاولين قريبين من أركان السُلطة.
حالنا هذه في ملف النفايات في ظل العهد الحالي تنسحب على المال والعسكرة أيضاً. مالياً، جاءت زيارة مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي الى لبنان يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين لمناقشة مكافحة تمويل نشاطات حزب الله والاتهامات الأميركية له بإجراء عمليات إتجار غير مشروعة. مساعد وزير الخزانة الأميركية أدلى بتصريحات غريبة منها أن حزب الله المشارك في الحكومة والبرلمان، هو ”سرطان في قلب لبنان“. وفي لبنان من يتوقع إجراءات مالية جديدة ضد الحزب بالتعاون مع المصارف اللبنانية. وهذا استهداف مالي للعهد.
عسكرياً، اسرائيل بدأت بتعاطي صنف جديد من التهديدات هذه الأيام. وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان ادعى يوم الجمعة الماضي بأن حركة حماس تُنشئ بنية تحتية لها في جنوب لبنان لمهاجمة اسرائيل لأنها تُعاني من صعوبة في استهدافها من قطاع غزة. الكاتب الاسرائيلي شلومو الدار ادعى أيضاً في موقع المونيتور بأن صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة أخذ على عاتقه مهمة انشاء بنية تحتية عملياتية للحركة في لبنان، تُشبه ما أسسه في اسطنبول، لكن في جوار اسرائيل. انتقال العاروري الى بيروت العام الماضي بات مصدر توتر جديداً مع اسرائيل.
بغض النظر عن حقيقة الادعاءات الاسرائيلية، مجرد استضافة لبنان مسؤولين جدد في الحركة، وما يجلبه ذلك من تهديدات للبنان، استهداف للعهد أيضاً.
حتى ثقافياً، هناك من رأى في ترشيح فيلم المخرج زياد الدويري لجائزة أوسكار، صفعة للعهد أيضاً، إذ تعرض للملاحقة والتضييق في بلاده نتيجة سطوة رجال حملات المقاطعة (السلفيين في مقاربتهم القضايا).
هذا عهد يعجز حتى اليوم عن معالجة مشاكل الكهرباء وتراكم النفايات وجمود الإقتصاد، لكنه ناجح فقط بملاحقة مخرج هنا ومنع فيلم هناك.
المصدر: المدن