كما الاعتداءات التي سبقته من الفجيرة إلى خليج عمان إلى اختطاف الناقلات حول مضيق هرمز، الكل يعرف من وراء صواريخ كروز التي ضربت أرامكو وما هدفها. واشنطن بحوزتها صور أقمار صناعية تكشف تحركات إيرانية وتحضير الصواريخ والطائرات المسيرة داخل أراضيها قبل الإعتداء كما نقلت الإذاعة الأميركية الوطنية. هناك رصد إستخباراتي أيضا بحسب "CNN" للقاعدة التي انطلقت منها الصواريخ، وهي على الأرجح بقرب الحدود العراقية. فإيران التي اعتمدت طوال الفترة الفائتة على الدول المجاورة وميليشيات عربية لشنّ اعتداءات، عدلت في نهجها في الشهور الأخيرة وباتت تستخدم الحرس الثوري مباشرة لضرب الخليج.
الحديث اليوم هو عن انضمام الأوروبيين إلى فيلق العقوبات
الرئيس الإيراني حسن روحاني قالها صراحة هذا العام إنّ شلّ الحركة النفطية الإيرانية سيتم الرد عليه بشل الحركة النفطية الإقليمية. الهدف هو ترهيب الخليج، وكسر العقوبات على إيران، وتنبيه الشرق والغرب بأن الورقة الأمنية الإقليمية هي بيد إيران وليس الأساطيل الأميركية في المنطقة.
نجح الاعتداء في إحداث صدمة في الاقتصاد العالمي، إنما فشل في شلّ الحركة النفطية مع ضخ أميركا الإحتياط وإصلاح السعودية، بعد أربعة أيّام فقط على الاعتداء، الإمدادات التي عادت أمس إلى ما كانت عليه ما قبل الإعتداء. الورقة الأصعب هي في إعادة إنتاج قوة الردع في الخليج، ومحاسبة إيران، فالخيارات محدودة وبعضها قد يجازف في إشعال حرب إقليمية.
الخيار الأوّل وهو ما قامت به أميركا في 1987 باستهداف إيران مباشرة حين استهدفت واشنطن البحرية الإيرانية يومها. هذا قد يتم بضربة صاروخية على المصدر الذي انطلق منه اعتداء بقيق وخريص، أو على حقل نفطي إيراني لا يوقع ضحايا إنما يزيد من الضرر على الاقتصاد الإيراني. المعضلة في هذا الخيار هو في أن إيران 1987 ليست إيران 2019، وهي تملك قدرات ميليشياوية إقليمية، وصواريخ على نسق الصواريخ الروسية ومنشآت نووية وقد تختار الدخول في حرب إقليمية تجر كارثة على الجميع بمن في ذلك طهران.
الخيار الثاني، وهو الأكثر ترجيحا يكون في نهج بعيد المدى يرد على إيران دولياً وإستخباراتياً واقتصادياً، وهو الإتجاه الذي يبدو أنّ السعودية تمضي به اليوم. استدعاء الخبراء الدوليين هو الخطوة الأولى بعد كشف مصدر الأسلحة، والتنسيق مع الولايات المتحدة نحو تحرك في مجلس الأمن. طبعا الأمم المتحدة المشلولة أصلاً لن تعطي الضوء الأخضر لأيّ قرار فاعل ضدّ إيران، إنّما قد تنجح السعودية في استنباط دعم دولي ومزيد من العقوبات ضدّ إيران.
فالحديث قبل اعتداءات يوم السبت كان حول المبادرة الفرنسية ولقاء محتمل بين روحاني ودونالد ترامب في نيويورك. أمّا اليوم، فهو عن انضمام الأوروبيين إلى فيلق العقوبات، وتضرّر الصين ومصالحها النفطية من أفعال إيران، وإنهاء الحديث عن مفاوضات أميركية ـ إيرانية.
أياً كان خيار السعودية في الرد، فهي بحاجة إلى استراتيجية متروية غير منفعلة وبدعم أميركي
السعودية ليست على عجلة من أمرها في الردّ، وهي، كما الإمارات بعد اعتداء الفجيرة، تذهب باتجاه حصد دعم عسكري وسياسي لتقوية دفاعاتها الجوية وتحصين حقولها النفطية. فنظام الردع هنا أصعب حين يكون التعامل مع إيران أو وكلائها وقاعدة "العين بالعين" لن تكون كافية لإيقاف طهران الماضية باستراتيجية "عليّ وعلى أعدائي".
الرد الإستخباراتي السري قد يكون الخيار الأمضى في هذه الحالة خصوصاً إذا ما أتى على شكل هجوم إلكتروني (cyber) يشل الحركة النفطية الإيرانية مثلا، أو يخترق مصانع الصواريخ.
أيّاً كان خيار السعودية في الرد، فهي بحاجة إلى استراتيجية متروية غير منفعلة وبدعم أميركي؛ تحصن أولا دفاعاتها الجوية وترد بشكل قاس إنما ممنهج على طهران. والأهم ألا تنزلق الرياض نحو خيارات طائشة تعطي الحرس الثوري الإيراني الحجة لإفلات ميليشياته الإقليمية والعبث بهدف العبث فقط بأمن واستقرار الخليج".