تأخّر الذين نزلوا إلى الساحة رافعين الصوت، لأنّ السيف سبق العزل، ومَنْ ضرب قد ضرب، ومَنْ هرب قد هرب. فكلام الإستنكار والتنديد لم يعد يجدي نفعاً، ولن يُعيد العاملين في القطاع الإعلامي إلى وظائفهم، ولن يُطعم من لا يجد حتى كسرة خبز ليقتات بها.
مَنْ نزل إلى الساحة اليوم يعرف تمام المعرفة أنّ صوته لن يصل إلى آذان المسؤولين المنهمكين بأمور هي بالنسبة إليهم أهم وأدهى، وما الكلام الذي قيل سوى مهرجان إعلامي ستبقى مفاعيله محصورة في المكان والزمان اللذين فرضتهما الظروف القاهرة، وبعدما بلغت الإحتجاجات ذروتها من قبل المصروفين من مؤسساتهم.
لمن طالب اليوم بصندوقي تعاضد ونهاية الخدمة، يكفيه الإلتزام بمشروع وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي وتطبيقه لتستقيم الأمور، ولكي تكون للإعلام نقابة يفتخر الذين يستظلون تحت جناحيها بأنّهم ينتسبون إلى نقابة تحترم تاريخهم وتقدر تضحياتهم وتتطلع إلى مستقبلهم وترفع عنهم ظلم الأيّام السوداء، تماماً كما تفعل أي نقابة أخرى.
ما جرى اليوم هو فصلٌ من فصول "نعي" الصحافة المُنازعة وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعدما بقيت طيلة السنوات الماضية تعاني مرضاً لم تبالِ له غالبية المسؤولين، ودائماً ما كانت الوعود تبقى وعوداً، والخطط تبقى حبراً على ورق، فيما يتحمّل بعض أهل المهنة نفسها جزءاً من المسؤولية، إذ يتوجّب على جميع الإعلاميين والصحافيين في لبنان الإتحاد للوقوف في وجه من يريد للمهنة التشرذم والإندثار، بعدما جعلت من لبنان منارة الشرق على مرّ السنوات، ومنبراً عالياً للحريات.
إنّ صرخة اليوم، نعم ستبقى صرخة من دون صدى، وصورة سيبقى صوتُها خافتاً مهما علا بانتظار حلّ جذري ونيّة صادقة في إنقاذ القطاع الاعلامي من براثن التقهقر المالي وغيره.. إنّ الإعلام ضمير لبنان، ومدوّن محطاته المفصلية المهمّة على مرّ التاريخ، آن الآوان للفعل والعمل، فالكلام لا ينفع.