ويشكّل اللقاء مع بومبيو حدثاً تشخص اليه الأنظار في لبنان، عقب ما يحكى عن تقارير عن اقتراب المسؤولين الاميركيين من اتخاذ إجراءات عقابية جديدة في حق "حزب الله" وحلفائه في "التيار الوطني الحر"، وعلى خلفية الاستياء المتزايد للمسؤولين البارزين من أداء الحكم برئاسة الرئيس ميشال عون وبالتحديد اداء وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يتهمه المسؤولون الاميركيون بتوفير "الغطاء المسيحي" لسياسات ونشاطات "حزب الله" في لبنان وسوريا، على حدّ تعبير "النهار".
ماذا سيطلب الحريري
وفي حين رفضت الخارجية الأميركية التعليق على الملفات التي سيتم بحثها مع الحريري، محيلة الأمر إلى الحكومة اللبنانية، كشفت أوساط سياسية عن أن ملفي العقوبات على "حزب الله"، والتزام لبنان بالعقوبات المفروضة على إيران، سيكونان من بين أبرز الملفات التي سيتم بحثها.
وتوقعت تلك الأوساط أن يطلب الحريري من المسؤولين الأميركيين دعم واشنطن لتسهيل حصول لبنان على القروض والمساعدات التي أقرها مؤتمر "سيدرز"، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها، بعد اضطرار الحكومة اللبنانية إلى إقرار موازنة، وصفت بالتقشفية، رغم الملاحظات الكبيرة عليها، خصوصاً من المؤسسات المالية الدولية الكبرى.
ورجحت أوساط سياسية أن يطلب الحريري من بومبيو المساعدة للطلب من البنتاغون مواصلة دعم الجيش اللبناني، خصوصاً أن وزير الدفاع الجديد مارك إسبر الذي تسلم مهامه أخيراً، من أصدقاء بومبيو المقربين وتخرجا معاً في كلية ويست بوينت العسكرية في الثمانينات.
الرأي الأميركي
وعلى الرغم من ان الحريري، على علاقة جيّدة مع المسؤولين الذين سيلتقيهم، الاّ أنه سيجد نفسه في مهمة صعبة، خصوصاً لناحية سعيه الى شرح التعقيدات في التعامل مع "حزب الله". لكن هذه الحقيقة، بحسب "النهار" لن تثني هؤلاء المسؤولين عن مصارحة الحريري بان صبرهم قد شارف النفاد جراء ما يعتبرونه تفاقم سيطرة "حزب الله" على صنع القرار في بيروت، وان الحريري وحلفائه مطالبون باتخاذ مواقف سياسية أكثر جرأة للتصدي للنفوذ المتزايد للحزب وايران وحلفائهما الاقليميين من القوى الشيعية في بيروت.
وتحدث المسؤولون الأميركيون الذين التقتهم "النهار" بصراحة عن وجود نقاش داخلي بين من يدعو الى التروي في التعامل مع الحكومة اللبنانية وتفهم معضلة الحريري، ومواصلة تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تصل الى نحو نصف مليار دولار سنوياً، ومن يدعون الى تعليق كل المساعدات لان الحريري إما غير قادر واما غير راغب في التصدي لـ"حزب الله".
لا مفرّ من العقوبات
واللافت ان المسؤولين الذين يتفهمون معضلة الحريري "الذي يجد نفسه في حكومة تضم الذين اغتالوا والده" كما قال أحدهم، يعبرون في الوقت نفسه عن احباطهم لأن على ادارة الرئيس ترامب ان تبرر للكونغرس وللرأي العام مساعدات للبنان بقيمة نصف مليار دولار سنوياً، ولانها تتوقع من الحكومة اللبنانية ان تتخذ اجراءات لم تتخذها حتى الان لضبط ما يسمونه في واشنطن "ألاشياء الخطيرة التي تحدث في لبنان، وهذا ما يفسر احباطنا". ولا يحدد المسؤولون الذين تحدثت معهم "النهار" الاشياء التي يتوقعونها من الحكومة اللبنانية. ولكن في السابق أعرب مسؤولون عملوا في لبنان وفي مناصب متنوعة في واشنطن عن احباطهم لان الحريري لم يرفض اعطاء حقيبة وزارة الصحة لوزير في معسكر "حزب الله"، ولان الحكومة اللبنانية على سبيل المثال تتسامح مع الغطاء السياسي والامني الذي يوفره "حزب الله" للقوى السياسية والاعلامية التي تمثل تنظيم الحوثيين والمعارضة البحرينية وغيرها في لبنان. ويتساءل المسؤولون في واشنطن، لماذا لا يتصدى الحريري لمثل هذه الممارسات التي تخدم ايران وطموحاتها الاقليمية؟
ويتحدث المسؤولون الاميركيون منذ أسابيع عن اقترابهم من فرض عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية وكذلك مؤسسات مالية. ومع ان المسؤولين الاميركيين يقرون بوجود أزمة اقتصادية في لبنان، الا انهم يسارعون الى القول إنها ليست بسبب أي عقوبات اميركية بل بسبب الفساد التقليدي المستشري في المؤسسات اللبنانية. ويضيفون انهم يدرسون فرض عقوبات جديدة على شخصيات ومؤسسات مالية لبنانية، في اشارة أولى الى ان العقوبات ستطاول أي مصارف "توفر الخدمات المالية لحزب الله أو أي من اعضائه". ولكن لم تتضح بعد هوية هذه المؤسسات أو موعد معاقبتها، لان هذه الاجراءات تتخذ بعد دراسات قانونية مفصلة وبعد مشاورات طويلة بين وزارتي الخزانة والخارجية ومجلس الامن القومي. وحول ما اذا كانت العقوبات الجديدة ستطاول شخصيات أو مسؤولين في "التيار الوطني الحر"، قال أحد المسؤولين ضاحكاً: "نحن لا نميز دينيا حين نفرض العقوبات".
ايران تصعّب المهمة
وكان لافتاً للإنتباه، عشية اللقاء المنتظر بين الرئيس الحريري ووزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، قول القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي ان "حزب الله" اكتسب قدرات في سوريا تمكنه من القضاء على إسرائيل وحده في أي حرب محتملة، مبرزاً مرّة جديدة الارتباط العضوي بين الحزب وطهران التي تستثمر فيه وتراه ذراعاً قوية يمكن ان تستخدمها في معاركها الإقليمية متى اقتضت الحاجة.
وفي تقدير مصادر دبلوماسية غربية لـ"اللواء" ان هذا الموقف الإيراني الجديد زاد من صعوبة المهمة التي يقوم بها الرئيس الحريري في العاصمة الأميركية، ولا سيما بالنسبة لموضوع العقوبات والمساعدات الخارجية.
إذ رجحت هذه المصادر ان يبلغ المسؤولون الأميركيون رئيس الحكومة اللبنانية انزعاجهم مما يصفوه تساهل الحكومة مع "حزب الله" وانه من غير المستبعد تغيير سياستهم تجاهه رأساً على عقب، أقله في الوقت الراهن.
وقالت هذه المصادر ان واشنطن ماضية في استراتيجية العقوبات تجاه مؤسسات تدعم حزب الله، وتوقعت ان تصيب حلفاء للحزب قد يكونوا من خارج الثنائي الشيعي، ولفتت الى انه ما من مؤشر يدل على نجاح الرئيس الحريري في تعديل الموقف الأميركي، بل لعله سمع من مساعد وزير الخزانة الأميركية كلاماً فيه نوع من التذمر حول أداء الحكومة تجاه حزب الله.