بعيدًا عن هموم السياسة، وما فيها من أخبار غير سارّة في المجمل، نظرًا إلى ما تحمله من أسباب تدعو إلى اليأس والقنوط، لا بدّ من التوقف عند ما تقوم به جمعية "اليازا" من نشاط توعوي وتحذيري بهدف التقليل من حوادث السير وما ينتج عنها من مآسٍ، وهي في المرصاد عند كل زاوية ومفرق وطريق لكل من يخالف قانون السير، الذي لا يلتزم به أحد تقريبًا.
ففي كل يوم تطالعنا "اليازا" بمجموعة من الفيديوات لبعض "العنتريات" التي يقوم بها أشخاص متهورّون يعرّضون أنفسهم وغيرهم لمخاطر شتى، ولكل أنواع الحوادث المميتة والأليمة.
وعلى رغم ما تبذله هذه الجمعية من جهود التي تهدف إلى الحدّ ظواهر "عنتريات" البعض، وقلّة مسؤولية البعض الآخر، لا يزال كثيرون، ومعظمهم من الشباب، مصرّين على مخالفة قانون السير، الذي لم يطلعوا عليه وكأنه وضع لإناس من كوكب آخر، وهم غير معنيين به لا من قريب ولا من بعيد، وبالتالي يكونون بمثابة قنابل موقوتة منتشرة على الطرقات بطولها وعرضها، وقابلة للإنفجار في كل لحظة، وهي تتربص بكل من يصادف مروره أمامها.
فلو كانت القوى الأمنية المولجة حماية هؤلاء الأشخاص من أنفسهم أولًا، وحماية الآخرين من تهورّهم ثانيًا، تقوم بالدور المطلوب منها، على رغم حسن النوايا، لكانت نسبة الحوادث قد تدّنت بشكل ملفت، ولما كانت طرقات لبنان مسرحًا لعرض العضلات ولقيادة السيارات والدرجات النارية بشكل جنوني ومخيف، مع الأخذ في الإعتبار ما يتعرّض له رجال القوى السيّارة من ضغوطات في حال تحريرهم مخالفات في حقّ بعض الأشخاص المحمّين من متنفذين يعتبرون أن القانون موضوع لغيرهم وهم غير معنيين به.
بصراحة، إن ما يشهده المواطن على الطرقات التي أصبحت مشاعًا لكل أصناف المخالفات و"الزعرنات" لم يعد مقبولًا، ولا يجوز بالتالي الإستمرار في سياسة "التطنيش" واللامبالة والإهمال والتغاضي.
فالمطلوب اليوم وقبل الغد وقف هذه المهزلة على طرقات لبنان، ومطلوب تطبيق قانون السير، وهذا ما تدأب "اليازا"، مع كل فيديو تنشره، على لفت النظر إليه وحضّ قوى الأمن الداخلي على السهر لتطبيق القوانين وتحرير محاضر ضبط في حق المخالفين، كما هي الحال حتى في الدول التي يعتبرها البعض "متخّلفة" وغير حضارية، والتي يُحترم فيها قانون السير إحترامًا كليًّا، ليس لأن شعوبها هي أكثر تمدّنًا منا، بل لأن فيها من يسهر على تطبيق القوانين من دون إستثناءات، وعلى اساس أن الجميع مستاوون أمام القانون، وليس فيهم من هم بسمنة وغيرهم بزيت.
ما تقوم به "اليازا" من جهود مشكورة، وإن كانت صرختها تبقى صدًى في وادٍ، تستأهل أن تُوّلى مسؤولية إدارة شؤون السير، ولو في شكل غير رسمي، وعندها خذوا ما يدهشكم.