في الثامن والعشرين من شهر آذار 2014 من العام، تعقّب شابّان على متن درّاجة ناريّة المعاون أوّل في الجيش اللبناني بطرس البايع. ما إن وصل الرتيب الى مستديرة نهر أبو علي حيث كان يرتدي بزة عسكريّة ويقود سيارة رباعية الدفع لون كحلي، حتّى انهمرت عليه أعيرة ناريّة بلغت 15 طلقة من الرصاص. ارتطمت سيّارة العسكري بقواطع حديدية وتابعت طريقها لتنقلب عن علوّ مرتفع نحو الوادي. فارق المعاون أوّل الحياة وفرّ الجناة.
بقيت هوية الفاعلين مجهولة لفترة، قبل أن توجّه أصابع الإتّهام الى عمر أحمد سليم ميقاتي وابراهيم عبدالله (مصري)، اللّذين أُحضرا اليوم أمام المحكمة العسكرية برئاسة العميد حسين عبدالله ليحاكما بما أُسند إليهما.
يُعيد العميد على مسامع المتهمين تلك الوقائع التي وردت صراحة باعترافاتهما في التحقيقات الأوّلية، قبل أن يسأل ميقاتي الملقب "ابو هريرة": "أنت اعترفت بأنّك نفّذت العملية بالإشترك مع ابراهيم عبدالله الملقبّ بـ"أبو خليل المقلعط" بإيعاز ومباركة من أسامة منصور، بعدما اشتدّ حقدك على الجيش بسبب مقتل أخيك "أبو بكر" ولم تعلما بهوية المعاون أوّل إلّا من وسائل الإعلام؟"، يجيب عمر: "مقتل أخي حجّة باتوا يأخذون بها كلّما أرادوا زجّ اسمي في قضية قتل عسكري، لا علاقة لي بهذه القضية وأنا لا أعمل مع أسامة منصور".
ويضيف: "القضية كلّها افتراء وهناك تشابه في الأسماء" ويؤكد أنّه وقّع على اعترافاته تحت الضرب والتعذيب.
مثله يقول الموقوف الآخر ابراهيم عبدالله: "لقد وقّعت على اعترافاتي تحت الضرب. أقول لك "أنا اعترفت على أمّي "وكنت مستعدا لأن اعترف على أيّ كان بسبب التعذيب الذي لحق بي، لكنّ الحقيقة أن لا علاقة لي بهذه القضيّة وأنا لست أبو خليل المقلعط كما تقولون، أنا "أبو أحمد" أقسم بالله أنّ هذا اللقب لا يعود لي".
يتدخّل عمر ليقول: "كلّ عسكري يُقتل يلصقون التهمة بي، أنا جسمي لبّيس. هل يُعقل أنني قتلت هذا الكمّ من العسكريين وأنا في عمر الـ 16 أو الـ 18 سنة".
يعلو صوت الموقوف الثاني راجياً رئيس المحكمة أن لا يظلمه وهو الذي نال حكما قضى بسجنه 10 سنوات في قضية بهجت مثلج والتي لم يعترف بتنفيذها: "لم اعترف في تلك القضية (في التحقيقات الأوليّة) وحكمتموني عشر سنوات فكيف في هذه الدعوى التي اعترفت فيها تحت التعذيب سأنال حكماً بالإعدام حتما".
يوضح رئيس المحكمة لـ"ابراهيم" أنّ جميع الموقوفين الذين استجوبوا في نفس اليوم الذي استجوبت فيه أنت أكّدوا لدى سؤالهم عن "المقلعط" أنّه موجود في نظارة "العسكرية" ما يعني أنّك أنت "أبو خليل المقلعط". يردّ: "من قال ذلك جيبو تا قلّعلو عيونو". يقسم "ابراهيم" مجددا أنه ليس "المقلعط" وأنّ الأخير بات في ادلب واسمه الحقيقي مروان ابراهيم سويد، مشيراً الى أنّه لا يعرف عمر ميقاتي ولم يره إلّا مرّتين، الأولى يوم قصده لتقديم واجب العزاء بوفاة شقيقه "أبو بكر" والثانية للمباركة يوم خروج والده أحمد سليم ميقاتي من السجن.
عند هذا الحدّ ينتهي الإستجواب، وقبل إرجاء الجلسة إلى السابع عشر من شهر أيلول المقبل، يطلب "ابراهيم" من رئيس المحكمة أن يُسلّم على "عمر"، يومئ العميد برأسه موافقاً. يقترب "ابراهيم" من "عمر" ويأخذه بالأحضان، يطبع قبلتين على خديه وواحدة على رقبته، يشدّ "الغمرة".. "غمرة" يُفهم منها الكثير أقلّه أنّ الذي لا تربطه صداقة بـ"أبو هريرة" لا يمكنه أنّ يحتضنه بهذه الحرارة.