أقدم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بموافقة استثنائية ضمنية من رئيس مجلس النواب نبيه بري، على “هرطقة قانونية ودستورية من العيار الثقيل”، وفقاً لتوصيف أحد اشهر القانونيين المتخصصين بقوانين النقد والتسليف والبنوك المركزية، خصوصاً أن الحكومة يفترض أن تصرّف الأعمال في أضيق الحدود.
ففي جلسة الثلاثاء الماضي اقرت الحكومة، بناء على طلب من وزير المالية يوسف خليل (وزير الثنائي الشيعي) قراراً خاصاً بفرض كابيتال كونترول (ضبط السحوبات والتحويلات المصرفية). وطلبت من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطبيق القرار فوراً لجهة تحديد سقوف للسحوبات والتحويلات وفقاً لتعاميم البنك المركزي، لأن مشروع القانون الخاص بـ”الكابيتال كونترول” تأخر اقراره في مجلس النواب. وبين أهداف القرار، كما ذكرت المصادر الحكومية، “عدم استنزاف قدرات ومخزون المصارف من العملات الأجنبية (الدولار)”.
مصادر نقدية ومصرفية وقانونية أجمعت في اتصالات مع “نداء الوطن” على أن ما اقدم عليه ميقاتي وخليل (ومن ورائهما بري) يهدف الى “شرعنة المخالفات الجسيمة التي ارتكبها رياض سلامة منذ بداية الأزمة بتعاميم خاصة بالسحوبات وسقوفها من خارج أي قانون ينظم ذلك بعدالة وشفافية وبأسباب موجبة مقنعة ومدى زمني متفق عليه”. كما يرمي القرار الى “حماية المصارف من دعاوى قضائية ضدها من مودعين، لأنها تطبق تلك التعاميم غير القانونية بسلطات الأمر الواقع فقط، وبحماية خاصة من قضاة يعملون في خدمة منظومة المصالح السياسية والمصرفية المتقاطعة، ضاربين أبسط مقومات العدالة بعرض الحائط”.
الى ذلك، اكدت المصادر المتخصصة في قوانين النقد والتسليف والبنوك المركزية ان القرار الحكومي “يهتك عرض استقلالية البنك المركزي. وما اعتماده على مواد في قانون النقد والتسليف ( 70 و71 و174) الا محاولة للتغطية المفضوحة على المخالفات الصارخة التي ارتكبت منذ بداية الأزمة ودفع ثمنها المودعون غالياً، لا سيما الاقتطاع (هيركات) بنسبة وصلت الى 85% وبليلرة قسرية للودائع الدولارية”.
وأوضحت مصادر مصرفية لـ “نداء الوطن” ان ما أقدم عليه ميقاتي، بالتنسيق مع بري، كان وعداً من الوعود التي قدمها ميقاتي للمصارف أيام اقناعها بالعودة عن اضرابها”. ويضاف هذا القرار الخادم للبنوك على حساب المودعين الى قرار آخر سبق وأصدره ميقاتي يطلب بموجبه من الضابطة العدلية عدم التعاون مع قضاة يتخذون قرارات وأحكام ضد المصارف المخالفة والمتعنتة مع المودعين لا سيما الصغار منهم.
وسألت المصادر: “كيف ان بري الذي لطالما عارض وبقوة منح اي حكومة صلاحيات استثنائية منذ بداية التسعينات الى اليوم وافق على ما اقدم عليه ميقاتي بفعلته هذه؟!”.
تبقى الإشارة الى ان الـ”كابيتال كونترول” بالصيغة غير القانونية التي اقرتها الحكومة لا يحظى بموافقة صندوق النقد الدولي، ما يشير بوضوح الى أن الاتفاق مع الصندوق لم يعد أولوية عند منظومة الحكم القائمة حالياً، والتي سبق وتجاهلت ملاحظات صندوق النقد على الصيغة التي خرج بها تعديل قانون السرية المصرفية.