أوضح الكاتب السياسي الياس الزغبي، أنه “لم يبقَ أمام المأزق المتعاظم في لبنان سوى سؤال واحد: كيف نخرج من هذا المأزق؟ هل بالاعتصام في مجلس النواب؟ هل في انتظار حل يهبط من الخارج اللاهي عنّا بمآزقه وأزماته؟ هل بتكرار الجلسات العقيمة لانتخاب رئيس للجمهورية، وقد باتت أمام ذهول اللبنانيين وتحت تندّر العالم وسخريته؟ هل بحوار فولكلوري أثبتت سوابقه وتجاربه فشله وخواءه؟ هل بارتفاع صرخات الإدانة والاستغاثة من المرجعيات الروحية؟ هل بحكومة مأزومة مشكوك في تمثيلها وصلاحياتها وحسن نيّاتها؟ هل بغلبة فريق على فريق بفعل السلاح وفائض القوة؟”
وأضاف، اليوم الاحد، “إذا تفحّصنا كل هذه التساؤلات نجد أنها لا تؤدي إلى تشكيل مخرج أو تسوية نحو الحل. فبعضها غير واقعي، وبعضها الثاني غير ممكن، وبعضها الثالث يؤجج الأزمة. فتعالوا نتصارح: كل ما يحصل يدفع الأمور نحو الاصطدام، ليس فقط السياسي، بل تحديداً الاجتماعي والطائفي.”
وتابع، “أليس تعطيل موقع الرئاسة الأولى يشكّل ضرباً للتوازن الوطني القائم على التكافؤ بين المكوّنات، أي الطوائف؟ ومّن هو الفريق الذي يعطّل الرئاسة والتوازن؟ أليس فريقاً طائفياً أيضاً بقيادة “الشيعوية العسكرية السياسية” التي يجسّدها “حزب اللّه”؟ وإذا رمينا نظرة على الخارج، ألا نرى أن حدثين حرّكا المشاعر الطائفية والدينية، من كاريكاتور مجلة “شارلي آيبدو” في باريس إلى حادثة إحراق المصحف في السويد، مع ارتداداتهما الواضحة أو المكتومة على النسيج اللبناني؟”
وأردف الزغبي، “لنتصارح أكثر: ألا يبني حزب اللّه حالة طائفية خاصة به، في كانتوناته الثلاثة من الضاحية إلى الجنوب وبعلبك الهرمل، بماليته وسلاحه وتربيته وثقافته وصحته، ومنها يمد يده المسلّحة إلى سائر البيئات والمكوّنات، ثمّ يسارع إلى اتهام سواه بالتقسيم أو الفدرلة؟ ألا تزيد حكومته التي يرعاها ويديرها الاحتقانَ الطائفي بضربها عرض الحائط نداءات وتمنيات ومشاعر المراجع الروحية والسياسية المسيحية؟ تماماً كما يضرب مواقف الأكثريتين السياديتين لدى السنّة والدروز، ويحاول امتصاص فعلته بحوارات طاحونية متنقلة وهوائية ذات هدير بلا طحين؟”
وسأل، “إذاً، كيف يمكن الخروج من هذا الانسداد الذي يتفاقم وطنياً وطائفياً؟ هل بـ7 أيّار جديد أوسع وأشمل؟ أم بترويض المعارضة ومضاعفة تشتيتها للانقضاض عليها؟ أم بالإمعان في إقفال مجلس النواب لاستعادة تجربته السوداء بين 2014 و 2016؟ أم بالرهان على انتصار إيران، في داخلها وخارجها، ومجيء عصر الممانعة الكامل غير المنقوص؟”
وقال، “العقلاء يدركون أنها رهانات عاجزة وأحلام يقظة. كما أن الرهان على يقظة لبنانية لديه، خائب كذلك، قياساً على كل التجارب المتراكمة منذ سنة 2005 إلى اليوم. وإذا كانت مخططاته غير نافذة، وإذا كان التعويل على يقظته غير واقعي، وإذا كانت حالة الانسداد والتعطيل مفتوحة إلى أمد غير منظور، فما هي الحيلة الباقية في يد سائر اللبنانيين؟”
وأضاف، “لنضع انتظار رعاية او حضانة دولية خارج الحساب الآن، طالما أنها مجرد احتمال. ولننظر في إمكانات سائر اللبنانيين هؤلاء لمواجهة المأزق الوطني، السياسي والطائفي. من البديهي أن نعترف بأن حزب اللّه أخرج نفسه عملياً من النسيج اللبناني، فلم يعُد هناك شراكات فعلية عفوية ومفتوحة وسمحة بينه وبين كل الطوائف الأخرى، لا في العاصمة بيروت، ولا في الجبل والشمال، ولا في مساحات جغرافية وديمغرافية واسعة في الجنوب والبقاع، بل أكثر، هناك علاقة حذرة بينه وبين شرائح أخرى داخل البيئة نفسها. هذه الانعزالية باتت واضحة، ولا تسترها زيارات وفود بروتوكولية هنا، ولا حوار بارد وفوقي هناك، ولا خطابات تطمينية او تخديريه هنالك، ولا حتّى “أوراق تفاهم” صفراء أصبحت رثّة لشدّة تجاذبها.”
وتابع، “على المستوى الشعبي، فضلاً عن السياسي، لم يبقَ له حضور مؤثر، كما في السابق، في كل تلك المناطق والبيئات، باستثناء “ذئاب منفرة” تشكّل أرقاماً جافة، ولا تعبّر عن الوجدانات العميقة لهذه البيئات، ونقصد بوضوح هنا السنّة والدروز والمسيحيين. لذلك، لا بدّ من بلورة حالة وطنية عابرة للمناطق والطوائف، من بيروت إلى الشمال، ومن الجبل إلى صيدا وجزين، ومن بعض الجنوب إلى بعض البقاع بغربه وشرقه ووسطه وشماله، تضغط على مشروع “حزب اللّه”، وتطوّق قدرته على التعطيل والتخريب، وتجعله يسلّم بإعادة التوازن الوطني الذي كسره، فلعلّه يستطيع الافلات من المخطط الإيراني الذي أسره، ويستعيد الهوية اللبنانية التي سلبها من الشيعة، الطائفة الكيانية العريقة، ويلتزم وصايا أئمتها التاريخيين الكبار الذين أوصوا بعدم التورط في مشاريع سياسية خارج أوطانهم العربية”.
ولفت إلى أن “هذه الحالة الوطنية الضاغطة ليست نظرية أو من باب سياسة الأُمنيات، بل يمكن تجسيدها عملياً وبسهولة في الأكثرية النيابية التي أنتجتها الانتخابات الأخيرة، وبالسلاسة التي ترعى العلاقات بين ناسها. والجميع يعلم أن هؤلاء النواب أجمعين، سواء انتموا إلى أحزاب سيادية أو كانو تغييريين أو مستقلين، إنما نجحوا في لوائح مناقضة ومواجهة للوائح الممانعين بزعامة الحزب وتحت عنوانَي مكافحة الفساد واستعادة السيادة. وعليهم توحيد العنوانين في حركتهم المستجدة، عبر اعتصامهم في مجلس النواب، فلا يبقى الاعتصام طلقة في الهواء أو ضربة سيف في الماء”.
وأشار إلى أنها “فرصة ثمينة لكل أطياف المعارضة، من خارج التسميم الطائفي، لتسجيل الخطوة الأولى في مسار هدم جدار التعطيل، ووضع الحجر الأساس في إعادة بناء الدولة عبر انتخاب رئيس إنقاذي إصلاحي سيادي. لا، ليس إنقاذ لبنان أمراً يائساً أو بائساً أو مستحيلاً. بل إن تعطيل التعطيل، وخرق الانسداد، باتا في متناول أيدي أحراره.”