يندرج الحريق المالي الذي اشعلته غرف سوداء تحرّكت بكبسة زر من الحمايات الخفيّة، لإشهار سلاح الدولار، والدفع به نحو اللاسقف. وهو الامر الذي يدفع ثمنه المواطن اللبناني ويشلّ قدرته على اللحاق بما يرتّبه من أعباء، وارتفاع رهيب في الأسعار. وضمن هذا المناخ أيضاً، يندرج التحلّل السياسي، الذي تتوالى صوره الفضائحية على حلبة الملف الرئاسي، وتديرها عقليات مدمّرة، ولاؤها لأجنداتها ومكاسبها، وكبّلت جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالفشل الحتمي، وحسمت خياراتها، في ما يبدو بصورة نهائية، بمنع ضخّ هورمونات التوافق في المسار الرئاسي المعطّل.
هذه الصورة، وكما يقول مرجع مسؤول “تنعى كل احتمالات الانفراج، ولبنان ورئاسة الجمهورية، وما يستتبع انتخاب الرئيس أمام حائط أكثر من مسدود، فلبنان مع الأسف بات مكبّلاً بالمناكفات والمزايدات والكيديات، وباتت معها صياغة أي توافق او تفاهم او إحداث ثغرة انفراج في هذا الحائط، ضرباً من المستحيل، وعلينا في هذا الواقع ان نتوقع الأسوأ”.
وقال المرجع لـ”الجمهورية”، “هي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي نقف فيها على حافة مجهول مخيف يتهدّد كل الواقع السياسي، وحتى بنية النظام اللبناني برمّته. وأمام ما بلغناه من انسداد، صار الحديث عن توافق داخلي حول انتخاب رئيس للجمهورية، في جو رافض كليّاً للتوافق، غير ذي معنى على الاطلاق، ما بات يوجب البحث عن بدائل جدّية تكسر هذا الانسداد”.
ورداً على سؤال عن البدائل الممكنة، وما إذا كان حل المجلس النيابي احد الخيارات البديلة، اكتفى المرجع بالقول، “الانتخابات النيابية أنتجت هذا المجلس، وتوزعت فيه القوى السياسية على شاكلة أقليات ولا أكثرية حاسمة فيه، ودلّت التجربة منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، انّ حسم الاستحقاقات الكبرى، ومنها انتخاب رئيس الجمهورية، يوجب تلاقي أقليات المجلس على هذا الانتخاب، ولكن ما شهدناه على مدى 11 جلسة اكّد استحالة التلاقي والتوافق على رئيس. في الوقت الذي يسقط لبنان فيه في مزيد من الاهتراء على كل مستوياته، فهل نسلّم بهذا الامر، ونستسلم للسقوط، والمناكفات الشعبوية او المسرحيات التهريجية والاعتصامات الاستعراضية، ونبقى مستمرين في مسلسل الفشل من جلسة إلى جلسة. فقد آن الأوان لوقف هذا المنحى. لا اقول انّ ثمة بدائل جاهزة، وانما هذا الانسداد بات يوجب الانتقال من دائرة الفشل إلى مدار البحث الجدّي عن بدائل لكسر الانسداد. كل هذا المسار الذي نشهده لا ينتج رئيساً، وبالتالي لا يمكن ان يستمر، وإذا ثمة ما هو غافل عن حقيقة ما نحن فيه، نقول له انّ البلد يفلت منا، وقد نصل الى لحظة لا نجده فيها”.