يشبه تقرير غرفة التحكم المروري في شأن حوادث السير على طرقات لبنان “ورقة النعوة”، إذ يكاد لا يخلو يوم من تسجيل ضحايا بين قتلى وجرحى على طرقات الموت، في دولة جهنم. ورغم تعدد الأسباب وتنوعها، إلا أن السبب الرئيسي يختصر بكلمة “إهمال”.
إهمال من السلطات المعنية في الدولة، لا سيما الوزارات المختصة المتقاعسة عن القيام بواجباتها وأيضاً من قبل المواطن الذي لا يلتزم قوانين السير في دولة انعدم فيها معنى القانون.
شباب لبنان يموتون بأسخف وأبشع الطرق فتحترق قلوب أهاليهم ومحبيهم، وآخرها الحادث المروّع الذي وقع منذ يومين في منطقة فيطرون الكسروانية، بين سيارة من نوع “بي. ام. دبليو” وجيب، ما أدى الى حريق كبير نجم عن مواد سريعة الاشتعال كانت موجودة داخل السيارة، وتسبّب بوفاة الشابين كارل شدياق ورامي عودة، 26 عاماً، علما ان شدياق حضر الى لبنان لقضاء فرصة الاعياد، اذ يعيش في باريس حيث يتابع دراسته، الا ان الموت كمن له على مفرق دولة الموت. والى كارل ورامي اللذين اغرقا منطقة زوق مكايل بحزن شديد، كثر ممن لا تتسع الصفحات لتعدادهم، وكان ابرزهم منذ اشهر المطرب جورج الراسي وصديقته وقد قضيا في حادث سير مروع . واذا كانت السرعة الزائدة او التلهي بالهاتف احد ابرز مسببات الحوادث الا ان طرقات لبنان الغارقة في العتمة الكالحة تشكل سببا رئيسيا لا يمكن التغاضي عنه. فماذا يقول المغنيون؟
مؤسس اليازا زياد عقل يؤكد لـ”المركزية” ان “لبنان يعاني من مشكلة كبيرة في موضوع السلامة المرورية، وهي مرشحة لتتفاقم نتيجة عوامل عدة. فالانهيار الاقتصادي أثّر على قدرة المواطن على صيانة المركبات من جهة وعلى قدرة الدولة على القيام بواجباتها من جهة اخرى، يضاف إليها مشاكل أخرى موجودة منذ زمن بعيد”. ويشير إلى ان “البلديات لم تعط يوماً الاهتمام الكافي للسلامة المرورية، كما ان هيئة ادارة السير تعاني من مشاكل جمّة ولا نعرف ما سيكون حكم القضاء في حقها، وما هي الاحكام التي ستعطى بحق من كانوا يعطون إجازات سوق بشكل مخالف للقانون، بالإضافة إلى ان المعاينة الميكانيكية توقفت وهذه فضيحة كبيرة ايضا، وتعني أننا عدنا الى وضع التسعينات. ولدينا ايضا مشاكل في الانارة وغياب الاشارات الضوئية على الطرقات خاصة في بيروت الكبرى نتيجة وقف عقد الصيانة، وهنا تم هدر عشرات ملايين الدولارات جراء عدم صيانة هذه الاشارات الضوئية. تضاف إليها مشاكل لها علاقة بالريغارات المسروقة والريغارات المفتوحة وهي بمثابة أفخاخ موجودة على الطرقات ومن الممكن ان تقع فيها الدرّاجة او المشاة في حال كانت على الرصيف”.
ويضيف، “لا يمكن ان نتغاضى ايضا عن المشاكل التي لها علاقة بسلوكيات المواطنين الذين يعتبرون ان الحادث يحصل مع غيرهم وليس معهم. من هنا، ندعو كـ”يازا” كل مواطن الى اعتبار نفسه وكأنه معرّض للحادث، كي يكون واعيا بشكل أكبر ويلتزم بالقوانين والأنظمة”.
ويعتبر عقل “أن بمقارنة حوادث السير في لبنان مع الدول المتطورة، وبعملية حسابية بسيطة على اساس مئة الف نسمة، يتبين وجود 20 وفاة تقريبا من اصل كل مئة الف شخص في لبنان، بينما في اوروبا تتراوح النسبة بين الدول بين 4 و6 وفيات، اي ان المعدل في لبنان أعلى بكثير من الدول المتطورة من ناحية الخسائر التي لها علاقة بالسلامة المرورية”.
من جهته، يؤكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ”المركزية” ان حوادث السير تراجعت عن العام الماضي في العدد والقتلى، وقد يكون السبب ان المواطنين أصبحوا يقومون بالوقاية اكثر او ان حركة السير اصبحت اقل، وبالتالي تراجعت النسبة 33 في المئة هذه السنة مقارنة مع السنة الماضية. عدد القتلى كان في العام الماضي 392 وأصبح اليوم 324، والجرحى كان 3249 وأضحى 2213، اي ان حوادث السير والقتلى والجرحى الناتجة عنها تراجعت عام 2022 عما كانت عليه عام 2021″، مؤكدا ان “هناك حوادث السير تحصل، وفي الاحصاءات لا يمكن الاعتماد على يوم واحد بل على مدار السنة ككل”.
وعن احوال الطرقات يشير شمس الدين الى “ان وضع الطرقات اسوأ والحمايات اقل، لكن حركة السير تراجعت وبالتالي طبيعي ان يكون عدد الحوادث أقل. فعندما تسير مئة الف سيارة على الطرقات بدلا من 500 الف، حكما تتراجع الحوادث، وذلك بسبب الازمة او ان في السابق كانت لدى المواطنين اشغال اكثر يريدون انجازها اضافة الى اسعار المحروقات المرتفعة جدا. هذه كلها عوامل مؤثرة. كما يدرك المواطن ان وضع سيارته ميكانيكيا غير سليم، فيخفف السرعة، لأن السبب الاساسي للحوادث هو السرعة، وعندما يكون هذا الواقع موجودا تصبح الحوادث اقل”.
لكن في المقابل، يؤكد شمس الدين ان “وضع الطرقات أسوأ بكثير من قبل، تملؤها الحفر التي تلحق أضرارا جسيمة بالسيارات، ولا علامات ضوئية ليلا، ولا انارة. لكن بالرغم من كل ذلك، يمكن القول ان نسبة حوادث السير تراجعت عن السنة الماضية، لكل الاعتبارات هذه”.