أكد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أن “الحكم نزاهة وترفع واهتمام بشؤون الناس الصغيرة قبل الكبيرة. إن السياسة البعيدة عن الفضائل مصيبة على المجتمع، لذا يرزح مجتمعنا تحت ثقل عقم أفكار السياسيين وأفعالهم. لقد طال انتظار شعبنا عودة العزة والسيادة والكرامة والحياة الهانئة فإذا بهم يعاينون كافة أشكال الذل والفقر والإستهانة بحقوقهم والتعدي على الكرامات وعلى الأملاك الخاصة والعامة، وعلى القريب والغريب، وعلى الدستور والقوانين، حتى يئسوا وملوا وخاب ظنهم بكافة المسؤولين، بمن فيهم النواب الذين انتخبوهم، وما عادوا يتوقعون إتمام انتخاب رئيس، وما عادوا ينتظرون جلسات الخميس الهزلية العقيمة. حتى العيد لم يعد مصدر فرح بسبب الضائقة المالية وقصر ذات اليد وانهيار سعر الليرة”.
وقال المطران عودة في عظة الأحد، “أما الطبقة السياسية المفروض أن تكون من النخبة التي تحسن إدارة البلاد ومعالجة الأزمات واتخاذ القرارات الصائبة، وأن تكون قدوةً للمواطنين، فقد أصبحت لعنةً عليهم، تكتفي بالتفرج على معاناتهم. هل من يفكر بالعائلات المحرومة أدنى سبل الحياة، وبالأطفال الجياع، والمرضى بلا دواء، والمسجونين بلا محاكمة والحزانى والأيتام؟”.
وسأل “إلى متى السكوت عن تعطيل الدولة والإستخفاف بالواجبات وقهر الناس؟ إلى متى التغاضي عن التجاوزات والتساهل مع التعدي على صلاحيات الدولة والسكوت عن السلاح المنتشر وعن كل جريمة ترتكب؟ هل هكذا تبنى الأوطان وتحصن؟ وإلى متى نسكت عن شريعة الغاب تعم، وكل ينفذ مخططه؟ وإلى متى التآمر على التحقيق في جريمة المرفأ، وإلى متى تعطيل التحقيق وتهريب الحقيقة منعاً للعدالة؟ صلاتنا في هذا العيد المبارك أن ينعم الله على الجميع بسلامه، وبرحمته ونعمه، وأن يغرس الصبر والرجاء في قلوب أبناء شعبنا الحبيب، وينير أذهان المسؤولين ويحيي ما تبقى من ضمائر، حتى نصل جميعنا معًا إلى الخلاص المرتجى، في هذا الدهر، وفي الآتي”.
وأضاف عودة، “يا أحبة، لقد تنازل الإله وصار بشرًا، لكي يخلص البشر، ولكي يعلمهم كيف يعملون من أجل خلاص إخوتهم. لكن هذا الأمر فات مسؤولي بلادنا، الذين لم نرهم يومًا ينزلون عن عروشهم، أو يتنازلون عن مكاسبهم ومصالحهم، من أجل خلاص شعب طال أنينه، لا بل علا صراخ ألمه، ولا من سميع مجيب. أليس من واجب المسؤول أن يبذل نفسه من أجل شعبه؟ الدينونة تنتظر كل من لم يتعلم كيف يحب الناس، مثلما أحبهم الرب وبذل نفسه من أجلهم، هو من قال عنه إشعياء النبي إنه «رئيس السلام» (9: 6)، وهو الديان العادل. المحبة اللامحدودة التي تتسامى حتى البذل المطلق للنفس قدمها المسيح وحده، وجعل منها قاعدةً ونظام حياة. المحبة الحقيقية مجانية. ما العالم بلا محبة؟ إنه فراغ وعزلة ووحدة قاتلة. مشكلة عالمنا أنه يفتقر إلى المحبة والتعاطف والتسامح، أما مشكلة بلدنا فهي، إلى ذلك، الأنانية التي تعمي العين والقلب عن رؤية الآخر ومحبته ومساعدته والتضحية من أجله”.
وأشار إلى أن “المؤمن الحقيقي لا يهدأ قبل أن تتحقق إرادة الله في خلقه، والرب إلهنا يشاء الكل أن يخلصوا وإلى معرفة الحق يقبلوا (1تيمو 2: 4). أين مسؤولونا من هذا؟ ألا يعلمون أن ما يبنى على أساس الظلم والقهر والإذلال لا يثبت بل يتهاوى؟ وبلدنا يتهاوى ومجتمعنا ينهار لأن الأنانية والفردية والمصلحة تطغى على نفوس ذوي السلطة فلا يرون إلا ذواتهم وحاجاتها، ويتوافقون على ما يناسبهم، فيما التوافق ضرب للديمقراطية”.