عاصفة الانهيار بمنخفضها الاقتصادي لا تزال مستمرة، وآخر “انجازاتها” المأسوية فقدان معظم أنواع الادوية ومتمماتها اضافة الى أدوية وحليب الاطفال الرضّع.
اعتاد اللبنانيون في العامين الماضيين فقدان الادوية التي كانت مشمولة بالدعم المشؤوم، ولكن بعد رفع الدعم استقرت سوق الأدوية نسبيا مع بعض الاختلالات في أدوية السرطان التي بقيت مدعومة، بَيد ان استئناف سعر صرف الدولار رحلته صعودا أعاد الازمة الى مربعها الاول، فلم تعد أدوية السرطان والادوية المرتفعة الثمن مفقودة بسبب التهريب والتخزين بل اختفت معظم الادوية بسبب محاولة شركات الادوية والصيادلة على حد سواء المحافظة على رأسمالهم وحماية استثماراتهم في خطوة وقائية سببها الاساسي الارتفاع السريع لسعر الصرف إذ تجاوز الـ 6 آلاف ليرة خلال 4 أيام، وهو أمر لا يمكن معه للمستوردين والصيادلة الصمود والاستمرار.
نقيبا الصيادلة ومستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان جو سلوم وكريم جبارة رفعا الصوت أمس، وحذرا من إفلاس حتمي للشركات والمؤسسات الصيدلانية وتوقفها التّام عن العمل. النقيبان أقرا بمعضلة انقطاع الادوية الناتجة عن تقلبات سعر صرف العملة الوطنية، وأصرا على ضرورة إصدار وزارة الصحة مؤشرا أسبوعيا للأسعار، عملا بالقرارات الوزارية المعنية. فعدم الأخذ بهذا الموضوع الفائق الأهمية لتأمين استمرارية تزويد السوق ب#الدواء، سيؤدي حتما إلى تعثر المؤسسات الصيدلانية عموما، وإلى عجزها عن متابعة تلبية حاجات المرضى اللبنانيين. واعتبرا في بيان مشترك أن موضوع تحديث جداول اسعار الأدوية، “لا يتعلق فقط بالعملية المالية او بمؤشرات الربح والخسارة، بل هو يهدد قدرة المؤسسات الصيدلانيّة على الاستمرار. فإذا استمرت هذه المؤسسات ببيع الدّواء على سعر صرف منخفض كما هو الحال اليوم، فهي لن تعود قادرة على تجديد مخزونها، وتكرار هذه العمليّة سيؤدّي إلى عواقب وخيمة، منها الإفلاس الحتمي للمؤسسات الصيدلانيًّة وتوقفها التام عن العمل”.
في المقلب الآخر، لا يلوم وزير الصحة العامة فراس أبيض اياً من الطرفين، ويقول لـ”النهار”: “ليس من باب الدفاع عنهم، ولكن في الواقع لديهم رأسمال يريدون العمل به، وفي حال خسروا ولو قليلا منه اسبوعيا فإنهم حتما سيعلنون افلاسهم بعد أشهر قليلة”.
وأكد انه متجاوب مع مطالبهم، و”أتفهم موقفهم من تغيير سعر المؤشر مع الارتفاع المتواصل لسعر الصرف، لذا أنا على استعداد لإصدار مؤشر مرتين أسبوعياً اذا اقتضت الحاجة ذلك، وإذا كان هذا الامر يعالج المشكلة، ولكن عليهم في المقابل إخراج البضائع التي يخبئونها لتوفير الادوية للمواطنين بشكل مستدام”.
وشدد على أن المشكلة “لا تقتصر على حليب الاطفال وادويتهم، بل تشمل كل الادوية غير المدعومة. فالدعم يحمي الادوية من تقلبات سعر الصرف، والدولة هنا هي المعني بالموضوع وتأكل الكف كلما ارتفع سعر الصرف”.
وقال: “عندما يتغير سعر الصرف، لا يمكن ملاحظة التغيير على أسعار الادوية المدعومة كونه تغييرا بسيطا، لكن التغيير يبدو واضحا على أسعار الادوية غير المدعومة. لذا فإن الصيدلي كما التاجر يتريثان في بيع الدواء غير المدعوم في انتظار صدور المؤشر الجديد، علّه يلحظ الارتفاع الطارئ على سعر الصرف”.
وإذا كان الارتفاع المطرد والسريع لسعر الدولار في السوق السوداء، نتج عنه توقف شبه كامل عن تسليم الأدوية والحليب للصيدليات، وتاليا فقدانها تدريجا، بيد أنه في المقابل ما من شك في أن عمليات التخزين والتهريب لا تزال مستمرة وخصوصا حليب الاطفال الرضع والذي لا يزال مدعوما بنسبة 50%. إذ بعدما كان التهريب يقتصر على سوريا دخل على خط التهريب العراق، ووفق ما تؤكد مصادر الصيادلة أن بعض العراقيين يشترون كميات من الأدوية والحليب من لبنان، وبسعر السوق، ويبيعونها في العراق الذي يعاني أزمات عدة. الى ذلك ثمة اقبال من اللبنانيين على شراء الدواء منذ أكثر من أسبوع نتيجة الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار. والتهافت الأكبر هو على شراء أدوية الأمراض المزمنة بسبب الخوف من انقطاعها، كما أن التهافت كبير على شراء الحليب المدعوم لاسيما للأطفال الرضع والذي أصلا لا تسلمه الشركات للصيادلة إلا بكميات قليلة.
3 مصانع جديدة… والقديمة تتوسع
ازمة الدواء المتجددة، أعادت الحديث عن ضرورة تعزيز ودعم انتاج الادوية محليا والاتكال على خبرات القطاع الصناعي الذي اذا ما توافرت له مجموعة عناصر ضريبية وجمركية واتفاقات دولية يستطيع وفق أكثر من دراسة تأمين أكثر من 70% من حاجة السوق والتصدير وبنوعية وجودة ومواصفات عالمية.
3 معامل لصناعة الأدوية قيد الانشاء كانت قد تقدمت بطلبات خلال السنة الجارية عبر المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان “إيدال” بحجم استثمارات يقدّر بنحو 200 مليون دولار، توفر نحو 600 فرصة عمل، وفق ما يقول مستشار “إيدال” عباس رمضان لـ”النهار”.
ومن بين هذه المصانع مصنع في زحلة لصناعة الادوية السرطانية بتقنية متطورة وهو المشروع الاكبر بحجم إستثماري يقدر بأكثر من 130 مليون دولار. أما المصنعان الآخران فالاول في الشمال (بحجم نحو 15 مليون دولار)، والثاني في الجنوب (35 مليون دولار) ويصنعان مختلف أنواع الادوية، من ضمنها الابر التي تحتاج الى تكنولوجيا متطورة أكثر من غيرها.
هذه المصانع بحاجة الى ما لا يقل عن 3 سنوات لتباشر اعمالها، وفق ما يقول رئيس جمعية الصناعيين السابق وأحد أكبر مصنعي الادوية في لبنان جاك صراف، خصوصا أن اي عملية انتاج جديدة، اضافة الى ما يتطلبه بناء المعمل واستقدام المعدات من وقت، يجب أن تترافق مع عمليات تسجيل الادوية محليا وخارجيا، توازيا مع تأمين الشروط الصحية المطلوبة GMP
(Good Manufacturing Practice) لبناء المختبرات. هذا عدا عن الوقت الذي يتطلبه اجراء التجارب على المعدات المطلوبة للعمل ومعدات التهوئة. فالاستثمار في قطاع الادوية وفق ما يقول صراف يتطلب وقتا ودقة متناهية قبل البدء بالانتاج. أما التصدير فيتطلب اجراءات اضافية خصوصا أن المؤسسات الخارجية لن تتعامل مع اي مصنع جديد اذا لم ترَ بأم العين أن المعمل يعمل وفق المعايير الدولية.
وانطلاقا من ان اي مصنع لا يتوسع يعني أنه يتراجع، وكون الاستثمار في صناعة الادوية استثمارا دائما، يؤكد صراف أن مصانع الأدوية الحالية التي تشمل 12 مصنعا تتوسع دائما، وتنتج نحو 35 دواء جديدا سنويا وتغطي نحو 48% من حاجة السوق المحلية وبينها مصنعان ينتجان السيروم ويغطيان الاستهلاك المحلي بالكامل. وتوظف (المصانع الـ 12) ما بين 5 آلاف و7 آلاف موظف وعامل.