مَن يتابع مواقف حزب الله من الاستحقاق الرئاسي في الأيام الأخيرة يقرأ فيها تبايناً بين عدد من قيادييه، فهو تارة يتحدث بفوقية مع القوى السياسية والكتل النيابية ويقول إننا “في مواجهة الاستحقاق الرئاسي نعرف مَن نريد ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة مَن نريد”، وفق ما أعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وطوراً يظهر بمظهر من يبعث رسائل إيجابية من خلال الورقة البيضاء ويتنصّل من مسؤولية عدم انتخاب الرئيس وفق ما أعلن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم.
غير أن الموقف الأساسي لحزب الله يبقى ما يعبّر عنه أمينه العام حسن نصرالله الذي طالب “برئيس لا يطعن المقاومة في الظهر”، وتحدث عن مواصفات تنطبق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وحرص الحزب على توضيح طبيعة زيارة مسؤول الارتباط وفيق صفا إلى قائد الجيش العماد جوزف عون وعدم ارتباطها بالملف الرئاسي بقدر ارتباطها بتوضيح ما جاء في كلام نصرالله حول أن “قائد الجيش ليس هو المقصود بما ورد في الخطاب عن رئيس يطمئن المقاومة ولا يخاف إذا صرخوا عليه في السفارة الأمريكية أو الخارجية الأمريكية أو القيادة الوسطى”.
ويبدو أن حزب الله كما في تجربة تعطيل الاستحقاق سنتين ونصف لإيصال الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، يراهن هذه المرة أيضاً على الوقت وعلى تعب اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين منهم القلقين على الجمهورية وعلى الموقع الماروني الأول في الدولة وعدم إطالة فترة الانتظار لملء الشغور الرئاسي في سُدة الرئاسة الأولى ليسيروا بمشيئة الحزب وتزكية المرشح الذي يريده تحت عنوان عدم جواز بقاء الرئاسة شاغرة نظراً لتداعياتها على التوازنات الوطنية وعلى الوضع المسيحي بشكل عام.
وفي حال فشل حزب الله في إقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالسير بفرنجية، فهو يراهن على أن حزب القوات اللبنانية الذي مشى بالتسوية الرئاسية عام 2016 وأيّد ترشيح الرئيس السابق ميشال عون بعد توقيع اتفاق معراب، قد يؤمن الميثاقية هذه المرة أيضاً في نهاية المطاف لسليمان فرنجية من خلال أحد خيارين: الأول إما التصويت له في صندوق الاقتراع وهذا أمر مستبعد بعد التجربة المريرة التي ذاقتها القوات من الرئيس عون وصهره جبران باسيل اللذين انقلبا على اتفاق معراب ولم يلتزما بالبنود العشرة التي تمّ التوقيع عليها ولم يأخذا مسافة من حزب الله وينتقلا إلى خط الوسط بين مختلف القوى السياسية، بل بقيا ملتصقين بالحزب ويغطّيان سلاحه وأفعاله، الأمر الذي أوصل البلاد إلى انهيار غير مسبوق وإلى عزلة عربية ودولية، لم يكف بعض الأحزاب والنواب التغييريين حتى اللحظة عن انتقاد القوات وتحميلها مسؤولية في إيصال عون إلى الرئاسة.
الخيار الثاني تأمين القوات اللبنانية النصاب القانوني لجلسة انتخاب فرنجية انطلاقاً من حرصها على انتظام عمل المؤسسات وعدم تعطيلها. ويستند حزب الله في هذا التوقّع إلى قول القوات إنها قد تلجأ إلى تعطيل جلسة أو جلستين تكنيكياً إذا وجدت نيّة مبيّتة لإيصال رئيس من محور الممانعة على أن يكون انسحاب نوابها من الجلسة رسالة لتجميع قوى المعارضة ومحاولة تغيير الواقع وإلا التسليم باللعبة الديمقراطية وعدم المهادنة من مقاعد المعارضة لأي رئيس ممانع.
وتذكّر القوات اللبنانية بأنها “أكدت مراراً وتكراراً بدء برئيسها سمير جعجع بأنّ انتخاب رئيس من 8 آذار غير وارد، وأسهبت في شرح حيثيّات موقفها ليس النظري فقط ربطًا بالانقسام العامودي بين مشروعين مختلفين ومتناقضين، إنما العملي أيضاً بالاستناد إلى الوضع الكارثي الذي انزلق إليه لبنان بعدما حكم فريق الممانعة وتحكّم بالقرار السياسي بدءًا برئاسة الجمهورية”.
ولا تُقارِبُ القوات، حسب أوساطها، “مواقفها السياسية انطلاقًا من اعتبارات شخصية، بل أن معيار اتفاقها أو خلافها سياسي بامتياز”. وتؤكد أن “أوضاع البلد لم تعد تحتمل استمرار خط الممانعة في رئاسة الجمهورية، إنما تتطلب رؤية انقاذية تتجسّد في رئيس انقاذي قادر على إعادة الوصل مع الخارج والربط مع الداخل على أساس نهج وطني يرتكز على عاملين فقط لا غير: الدستور ومصلحة لبنان العليا”.
وتضيف الأوساط القواتية، “على رغم من ذلك كلّه، يأتي مَن يحاول التذاكي بأن القوات ستؤمِّن النصاب لانتخاب رئيس من 8 آذار، فيما لو قالت مثلاً بأنها ستعطِّل النصاب لكان بعضهم هذا نفسه اتهمها بالتعطيل وأنها نسخة مكررة عن الفريق المعطِّل، إذ عندما جاء دورها بالتعطيل لم تتردَّد في اللجوء إلى الممارسة ذاتها، وهكذا دواليك من مواقف وكتابات تفتقد إلى الموضوعية والرصانة وليس الهدف منها سوى إما توجيه الرسائل ضمن صفوف فريق الممانعة بأن البدائل جاهزة في حال لم يبارك أحد أجنحة هذا الفريق ما قرره رئيس المحور، أو رفع منسوب القراءة لمقالات هدفها الإثارة لا الحقيقة”.
وترى الأوساط أن “ما يميِّز القوات عن محور الممانعة لا ينحصر فقط في المشروع السياسي بين من يريد دولة ودستوراً واستقراراً وازدهارا، وبين مَن يريد دويلة وحروباً وفقراً وعدم استقرار، إنما يتعلّق أيضاً بالممارسة السياسية بين فريق نهجه التعطيل والتفريغ، وفريق نهجه التفعيل والانتظام. وعلى الرغم من كارثية 8 آذار في السلطة، ولكن القوات لا تشبه فريق الممانعة بشيء”، وشدّدت على أنه “في حال تمكّن هذا الفريق من جمع صفوفه حول مرشح رئاسي وأصبح لديه كتلة صلبة تؤدي إلى انتخابه، فإنها ستلجأ إلى التعطيل التكتيكي المرحلي لجلسات معدودة محاولةً جمع صفوف المعارضة وتعطيل أكثريته، وفي حال لم تفلح بذلك ستسلِّم بالنتيجة وتبقى في صفوف المعارضة وتواجه العهد الجديد منذ اللحظة الأولى، ومَن انتخب هذا الرئيس ومَن انتخب هؤلاء النواب الذين جدّدوا لمحور الممانعة يتحملون مسؤولية إبقاء لبنان في جهنّم. وهذا لا يعني عدم التفكير في خيارات أخرى إنقاذية من خارج اللعبة لأنه من غير المقبول أن يبقى الشعب اللبناني أسير سياسات تؤدي إلى تهجيره وتفقيره، ولكن هذا شيء، وتسليمها بالنتيجة الديمقراطية شيء مختلف تمامًا، ولو أن الفريق الآخر يحذو حذو القوات من خلال التسليم بإرادة مجلس النواب لكان انتخب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية”.
وأظهرت الجلسة السابعة لانتخاب رئيس الجمهورية أن الاستحقاق يدور في حلقة مفرغة وأن الطبخة لم تنضج بعد، في وقت لا يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيأخذ بالاقتراح الرامي إلى التوقف عن الدعوة إلى جلسات انتخاب أسبوعية ريثما تلوح ملامح توافق.