أوضح عضو مجلس حكماء المسلمين السيد علي الأمين أنني “أتقدم بالشكر والامتنان من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله تعالى
على رعايته لهذا المؤتمر(ملتقى البحرين للحوار: الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني، والشكر إلى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مملكة البحرين ورئيسه صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة عضو مجلس حكماء المسلمين على الدعوة والإعداد إلى هذا اللقاء العالمي بين القيادات الدينية. وبعد، فإن كلمتي أمام مؤتمركم الكريم تحمل عنوان التعايش السلمي”.
وأضاف، “لا شك عند العقلاء في أن التعايش السلمي بين الأمم والشعوب يعتبر من أهم الغايات السامية التي يجب أن تسعى إليها البشرية، ولا شك أيضاً بأن الحوار بين أصحاب القرار وأهل الفكر والثقافة وعلماء الأديان يشكل الوسيلة المثلى التي توصلنا إلى هذه الغاية الواجبة والتي تسير بالبشرية في ركب التقدم والعمران والازدهار وتجنّبها ويلات الحروب ومخاطر النزاعات والصراعات التي تنذر بتدمير العالم وزواله”.
وتابع، “إن الحوار بين الشعوب والأمم على اختلاف الديانات والثقافات بين بني البشر هو من علامات وسمات عصر الحضارة الحديث ودليلٌ على الرقيّ الإنساني، فهو النموذج الأمثل الذي يجب أن يحتذى في العلاقات بين الأمم والشعوب للوصول إلى الغاية المطلوبة”.
وأردف، “ونحن نعتقد أن الدين بقيمه الروحية ومبادئه الإنسانية هو من أهم العوامل التي تساعدنا على تحقيق هذه الغاية الشريفة، فإن تعاليم الرسالات السماوية نصّت على تكريم الإنسان وتعزيز روابط الأخوة الإنسانية بين أفراده ومجتمعاته وإبعادهم عن الظلم والعدوان، والإنسان فيها هو المحور، فهو الذي كرّمه الله تعالى واستخلفه في الأرض، وقد طلب فيها من الإنسان الحكم بالعدل، كما جاء في قول الله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)والناس فيها سواسية كاسنان المشط، وخير الناس فيها من نفع الناس، والخلق كلهم عيال الله وأحبُّهم إليه أنفعهم لعياله، وهذه التشريعات والتعاليم السماوية تدلنا على أنه لولا وجود الإنسان لانتفت الحاجة إلى إرسال الرسل والأنبياء”.
وقال “وقد حاول بعضهم تفسير الحروب والصراعات على أنها نتيجة حتمية لتصادم الحضارات واختلاف الأديان والثقافات، ونحن نراها نظرية خاطئة، لأن معظم الصراعات المدمّرة التي حدثت في التاريخ القديم والحديث قد وقعت بين أنظمة ودول من الحضارة الواحدة ومن الدين الواحد في أحيان كثيرة، وكان حصولها لأسباب غير دينية كحب السيطرة وسياسة التوسّع والهيمنة والاستئثار بالسلطات وامتلاك الثروات، ولو رجع أصحاب نظرية صدام الحضارات إلى رسالة الأديان لوجدوا فيها الدعوة إلى إقامة العدل بين بني البشر جميعاً، وهي دعوة لو تمّت الاستجابة إليها لأزالت معظم أسباب الحروب والعداوات”.
وأشار إلى أن “التقدم العلمي الذي يشهده العالم في عصرنا لا يمكن المحافظة على ثماره واستمراره بدون التقدم في منظومة القيم والمبادئ التي تصنع التعايش السلمي وترسّخه في مجتمعاتنا البشرية، والحوار الجاد هو الذي يجنّب البشرية مخاطر التطوّر في آلة الحرب التي تهدد وجود الإنسان وكل إنجازاته، والحوار الجاد وحده هو الذي يفتح الطريق أمامنا لتبديد المخاوف بين الدول والشعوب. والحوار هو المساعد لنا أيضاً على مواجهة داء التطرّف وآفة الإرهاب الذي يعمل على ضرب صيغة التعايش السلمي في العالم من خلال زرع الكراهية بين الشعوب بجرائمه الوحشيّة”.
وأوضح أننا “نعتقد أن فكرة الحوار بين أهل الأديان والثقافات والحضارات يجب أن تبتعد عن أحداث وقعت في الماضي وأصبحت في ذمة التاريخ، وهي لم يصنعها الدين، وإنما صنعها السابقون باسمه أحياناً، ولا يُسأل عنها اللاحقون، كما قال الله تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)”.
ولف إلى أنه “وليس المطلوب أن نعيد ذلك الماضي، وإنما المطلوب منا أن نصنع الحاضر والمستقبل على ضوء المشتركات الإنسانية الضرورية لبقاء البشرية واستمرارها في العيش بسلام، وهي موجودة في الرسالات السماوية التي تمثل بتعددها تعدد المناهج والطرق، ولكن الحقيقة التي تريدها تلك المناهج والتي تؤدي إليها تلك الطرق واحدة، إنها تريد منا السمو الروحي والأخلاقي وفعل الخيرات، ومنها الصالح العام لجميع بني البشر، كما يشير إلى هذا المعنى من الاختلاف في الشكل بين الشرائع والمناهج القرآن الكريم ( لكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )”.
وتابع، “لقد أعطانا الله القاسم المشترك الذي ندخل من خلاله إلى جوهر الرسالات الدينية وهو قوله (فاستبقوا الخيرات) وهذه الآية التي نخرج بها بنجاح من امتحان الاختلاف الشكلي الذي تشير إليه الآية نفسها(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم ( ليختبركم) فيما آتاكم إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)لا تضيعوا وقتاً على الاختلاف في الشرعة والمنهاج ، هذا ليس أمراً مهماً ، إن المهمّ أن تصنعوا الخيرات للمجتمع البشري ، أن تزيلوا عنه الفقر والجهل والحرمان، أن تصنعوا له الأمن والسلام، هذا هو المهم الذي يجب أن تتنافسوا من أجل تحقيقه، وأما الاختلاف في غير ذلك فسوف تعلمون به لأن مرجعكم في النهاية إلى الله فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون، ولكن هذا الاختلاف لا يجب أن يوقف تعاونكم وتنافسكم على الخيرات”.
وأضاف، “إن التعايش السلمي بين الدول والشعوب الذي يعد من الضروريات لاستمرار الحياة لا يكفي فيه مجرد قرار ، إنه يحتاج إلى التعارف والتواصل كما قال الله تعالى في خطابه إلى الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)والتعارف يحتاج إلى حوار وثقافة يُبنى عليها السلوك، والثقافة تحتاج إلى مدرسة وكتاب”.
واعتبر أن “ولذلك فإن المطلوب من أهل الفكر والثقافة وعلماء الدين التمسّك بخط الوسطية والاعتدال الذي دعت إليه الشرائع السماوية، والإبتعاد عن الانخراط في الحالات الحزبية التي تدفع بطبعها أصحابها وأتباعها للتعصّب لآراء أحزابهم، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء كانوا الدعاة للإلف والانسجام، وما كانوا دعاة للفرقة والانقسام”.
وتابع، “إن الحوار بين أهل الديانات والثقافات هو أمرٌ لا بدّ منه لتبديد المخاوف وإزالة الأخطار التي تهدد المجتمعات البشرية في بقائها واستقرارها، وهو المساعد على إيجاد نظام عالمي أكثر أمناً وسلاماً يقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والعدالة. وهذا ما يعمل عليه ويقوم به منذ عدة سنوات مجلس حكماء المسلمين بقيادة رئيسه الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر في لقاءات الحوار بين الشرق والغرب والذي كانت من ثمراته الوثيقة التاريخية(وثيقة الأخوة الإنسانية)التي وقعها في أبو ظبي مع قداسة البابا فرنسيس”.
وأضاف، “إننا نرى أن الوصول للتعايش السلمي يحتاج إلى الاستمرار في نشر ثقافة الحوار بين الشعوب خدمة للسلام العالمي، ولتحقيق ذلك فإننا نقترح على منظمة الأمم المتحدة دعم مثل هذه المؤتمرات والحوارات بين مختلف القيادات الدينية والثقافية والمساهمة في وضع كتاب مدرسي بعنوان(الحوار بين الأمم والشعوب) يتضمن دروس الوثيقة التاريخية ويكون تدريسه إلزامياً في المدارس والجامعات، كما ونقترح أيضاً على منظمة الأمم المتحدة إنشاء معهد جامعي للدراسات الحوارية من مختلف أتباع الأديان والثقافات يجلسون فيه على مقاعد الدراسة الواحدة، وهذا مما يساعد على تخريج جيل من الدعاة المبشرين بثقافة التسامح والحوار ينشرونها في أوطانهم وبين شعوب العالم، وهي التي توصلنا إلى الغاية المنشودة من التعايش السلمي. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.