منذ أن وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون عشية انتهاء ولايته مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلةً، تطايرتْ تشظياتُها السياسية والدستورية في أكثر من اتجاه ولا سيما أنها جاءت فيما البلاد تطرق باب مرحلة حرجة عنوانها الشغور الرئاسي وأخواته.
وتتعدّد القراءات الدستورية لخطوة عون، ولكن النتيجة واحدة وهي أن لبنان يتجه إلى «عين عاصفة» سياسية يأتي فيها الاشتباكُ الدستوري ليصبّ «الزيت على نار» المعركة الرئاسية التي تُخاض بكل الأسلحة وحتى الاحتياط.
وقال الخبير الدستوري سعيد مالك لـ”الراي” إن الفقرة الخامسة من المادة 53 من الدستور اللبناني أعطت رئيس الجمهورية صلاحية توقيع مرسوم استقالة الحكومة أو مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة بحكم الدستور، وهذه صلاحية محفوظة لرئيس الدولة لا يمكن لأحد أن يجادله فيها.
وأضاف، “درجت العادة سابقاً على توقيع 3 مراسيم في وقت واحد وهي مراسيم قبول الاستقالة وتسمية رئيس الوزراء والتأليف. لكن ما حصل اليوم بحسب مالك أنه «للمرة الأولى بعد الطائف يصدر مرسوم بقبول استقالة الحكومة بشكل منفرد. لكن لهذا المرسوم مفعول إعلاني لا إنشائي أي أنه لا يرتّب أي نتائج دستورية وذلك لأن الحكومة في حُكْم المستقيلة وفقاً للدستور ولا حاجة لإصدار مرسوم لإعلان ذلك. ولذلك يقال إنه لزوم ما لا يلزم أي لا تَنتج عنه أي مفاعيل سواء صدر أم لم يصدر. والثابت في الأمر أن الحكومة التي اعتُبرت مستقيلةً بحُكْم الدستور بعد انتخاب مجلس نواب جديد ستستمر في تصريف الأعمال (وفق المفهوم الضيّق لتصريف الأعمال)، وهو أمر بات مناطاً بها دستورياً وليس من باب التكليف كما كان يحصل قبل الطائف. فوفق المادة 64 من الدستور يتوجب على الحكومة تصريف الأعمال، فيما وتبعاً للمادة 62 فإنه وفي حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء”.
وأكد عن اعتراض البعض على توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم واحد بدل الثلاثة دفعة واحدة، أنه “يمكن للرئيس القيام بذلك حتى ولو أنه ينشئ لعرفٍ لم يحدث سابقاً «فالتوقيع لا يغيّر شيئاً في الواقع الدستوري وسواء حدَث أم لم يحدث، فهو لا يقدم ولا يؤخّر. وجلّ ما في الأمر أن الرئيس ربما يحاول بتوقيعه المرسوم الضغط على الرئيس ميقاتي لجرّه الى تشكيل حكومة في ربع الساعة الأخير وكأنه يَستعمل كل ما بيده من أسلحة قبل نهاية ولايته لإحراج رئيس الحكومة المكلف وإرغامه على التشكيل ولا سيما أن الرئيس محرج قبل ساعات من انتهاء ولايته ولم يتمكن من كسب وزراء للتيار يؤمّنون استمرارية وجوده في السلطة بعد الفراغ”.
وفي المقابل، يعتبر الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين عبر «الراي» أن مرسوم إعلان الحكومة مستقيلةً «يدخل في صلاحيات رئيس الجمهورية في الفقرة 5 من المادة 53 وهو يوقعه منفرداً. وتعتبر الفقرة “هاء” من المادة 69 أن الحكومة تصبح مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب الجديد. ومن هنا فإن الحكومة باتت منذ 22 مايو 2022 بحُكْم المستقيلة، ومرسوم إعلان استقالتها هو إعلانيّ يعلن حالتها وليس إنشائياً بمعنى أنه ينشئ حالتها».
ورداً على مَن يعتبر أن توقيع المرسوم لزوم ما لا يلزم، يقول يمين «إن الدافع لإصدار المرسوم هو قطع الطريق على أي ادعاء بأن هذه الحكومة عاملة ومكتملة المواصفات ما دام لم يصدر مرسوم باعتبارها مستقيلة. وهذا ما بدأ يُسمع من قبل بعض الأصوات التي تدّعي أن الحكومة كاملة المواصفات وأن ليس هناك دليل حسي أو مرسوم على أنها معتَبرة مستقيلة».
وتابع «أنه يمكن لرئيس الجمهورية في أي وقت أن يعلن اعتبار الحكومة مستقيلة في حال تحققت إحدى الحالات التي تصبح فيها الحكومة عادةً مستقيلة، وقد تحققت إحدى هذه الحالات مع بدء ولاية البرلمان وفقاً للمادة 69 من الدستور. ويمكن للرئيس اختيار الوقت الذي يراه مناسباً حتى اللحظة التي تسبق ولادة حكومة جديدة.أما العادة التي كانت تقضي بإصدار المراسيم الثلاثة بالتزامن فهي لا تقيّد رئيس الجمهورية ولا تشكل عرفاً ملْزماً طالما أن الفقرة 5 من المادة 53 لم تقيّد الرئيس بتوقيت معين من أجل إعلان الحكومة مستقيلة».
لكن وفي لقاء تلفزيوني اعتبر النائب قاسم هاشم (من كتلة الرئيس نبيه بري) أنه ما دام المشترع لم يعط مرسوم قبول الاستقالة إمكانية التقدم على المرسوميْن الآخريْن «فهذا دليل على أن هذا المرسوم لا يمكن أن يتقدّم على سواه زمنياً».
وأكد يمين أنه “لكن سواء بمرسوم او بغيره فإن الحكومة تُعتبر مستقيلة. ومن هنا في نؤكد في معرض الرد على مَن يقول إن رئيس الجمهورية أدخل البلاد في الفراغ الدستوري «أن ليس الرئيس مَن يصنع الفراغ ولا توقيعه لمرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، بل الفراغ ناجمٌ عن كون الحكومة مستقيلة بحكم الدستور. والمرسوم المذكور لا يمنع الحكومة من تصريف الأعمال ضمن صلاحياتها لكن دون أن يكون بإمكانها أن تمدّ يدها على صلاحيات رئيس الجمهورية. فالمرسوم لا يمنع رئيس الحكومة من تصريف الأعمال من السرايا كما لا يمنع الوزراء من تصريف الأعمال من وزاراتهم بالمعنى الضيّق للأمور».
وأردف، “ولكن هنا لا بد من التأكيد على أمر مهم أنه وفقاً للمادة 62 من الدستور تناط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء وكالةً وليس بالحكومة. وثمة فارق بين مجلس الوزراء كهيئة مجتمعة والحكومة كمؤسسة تعمل بصفة متفرقة. ومن المعلوم أن مجلس الوزراء لا ينعقد في ظل حكومة مستقيلة إلا نادراً جداً وفي حالات استثنائية. وفي حال وجود نية لانعقاده فالدعوة الى اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء تكون من اختصاص رئيس الجمهورية، فهو الذي يوجّهها بالاتفاق مع رئيس الوزراء خلافاً للاجتماعات الدورية لمجلس الوزراء التي يدعو إليها رئيس الحكومة في العادة”.
وتابع، “بناء على هذه المعطيات يمكن القول إنه في حال كان هناك شغور في سدة الرئاسة فليس هناك مرجع دستوري مختص لتوجيه الدعوة الى مجلس وزراءٍ استثنائي. فالمادة 64 من الدستور تحصر صلاحيات الحكومة المستقيلة بتصريف أعمالها هي ولا تخوّلها تولي صلاحيات مرجع دستوري آخَر. هذا عدا عن أن قاعدةَ تَوازُن السلطات تمنع ترْك حكومةٍ أصبحت خارج رقابة البرلمان وخارج أي رقابة من رئيس الجمهورية الذي بات منصبه شاغراً (والذي يملك حق رد قرارات مجلس الوزراء لو كان موجوداً) تقوم بصلاحياتِ رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والحكومة وهي خارج الرقابة وإلا نكون في ظل حكومة ديكتاتورية خارج ثقة البرلمان”.
ومن التعقيدات الكثيرة التي تنتظر هذه الفترة من الشغور، يؤكد يمين أن من واجب الوزراء الاستمرار بتصريف الأعمال في وزاراتهم لكنهم لا يستطيعون المشاركة في أي اجتماع لمجلس الوزراء لأن صاحب الصلاحية للدعوة لعقد مجلس وزراء استثنائي غير موجود. ورداً على مَن يقول أن الضرورات تبيح المحظورات وإن الظروف الاستثنائية للبلد يمكن أن تستدعي اجتماعاً لمجلس الوزراء يدعو إليه رئيس الوزراء تلبية لمصلحة الدولة العليا، يقول يمين إنه يستحيل عقد مجلس وزراء عادي في ظلّ حكومة مستقيلة ولا يبرّر الظرف الاستثنائي انقضاض سلطة على صلاحية سلطة دستورية أخرى.
وقال إن “توقيع مرسوم الاستقالة في اي وقت يختاره رئيس الجمهورية هو حق دستوري له منذ اللحظة التي تُعتبر فيها الحكومة مستقيلة وحتى اللحظة التي تسبق تأليف الحكومة.”