أشار رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أن “تأليف الحكومة يحتاج وفق الدستور اللبناني الى تفاهم رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية الذي عليه ان يوقع على المرسوم لتبصر الحكومة النور.”
وأضاف في حديث لـ”الأنباء الكويتية”، “ولا يمكنني، من موقعي كرئيس للجمهورية، ان أسلم باعتماد معايير مختلفة في التعاطي مع مسألة تشكيل الحكومة، وقد أبلغت رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بذلك، ولكن يبدو انه لا إرادة لديه لتشكيل الحكومة وإلا لكان اعتمد معيارا واحدا في تعاطيه مع الكتل النيابية ومطالبها بدلا من فرض الوصاية على تكتل نيابي واحد فقط، ولكننا انتهينا من مسألة تشكيل الحكومة منذ فترة، وتوقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة، أمر لا يتعارض مع مواد الدستور، وقد تم اتباع عرف بوجوب قبول الاستقالة عند تشكيل حكومة جديدة لإصدار مراسيمها، الا ان الأعراف يمكن ان تخرق، فيما لا يمكن المساس بمواد الدستور.وما تشديدي على هذه النقطة إلا للإضاءة على حقيقة مرة مفادها انه في ظل عدم التوافق على شخصية لتخلفني في موقع الرئاسة، لا يمكن لحكومة تصريف أعمال ان تقوم بالمهام المطلوبة منها في ظل الفراغ الرئاسي، وسيكون المشهد سيئا جدا في هذه الحالة”.
وحول الفراغ رئاسي، أكد عون أنه “ليس سراً أن انتخاب رئيس للجمهورية يحتاج الى توافق القوى السياسية اللبنانية، وهذا أمر بعيد المنال حاليا، فلم يتم الالتقاء على قواسم مشتركة يمكن البناء عليها لاختيار الشخصية التي يرى الجميع أنها تملك المقومات القادرة على جمع مختلف الأطراف حولها. وهذا مرده الى عدم وضع أولويات تسهل التوافق المطلوب. وقد حاول تكتل لبنان القوي القيام بخطوة في هذا الاتجاه، وجال على القوى السياسية والحزبية لمناقشة ورقة الأولويات التي وضعها لاختيار رئيس للجمهورية، ولكن لم تؤد المحاولات الى النتيجة المطلوبة. إزاء هذا الوضع، بات من المنطقي الخوف من فراغ رئاسي، خصوصا أننا أصبحنا في ربع الساعة الأخير من انتهاء ولايتي الرئاسية بشكل رسمي.
وقال حول الخطوات التي سيلجأ اليها قبل مغادرته قصر بعبدا، إنه “كما سبق وقلت، احتفظ لنفسي بكل الخيارات المتاحة لتفادي المشهد السيئ الذي ينتظرنا في الآتي من الأيام، وسقف هذه الخيارات هو الدستور بطبيعة الحال الذي أقسمت على الحفاظ عليه، وليس من عادتي ان أخلف بقسمي، مذ كنت شابا في المؤسسة العسكرية التي قضيت فيها معظم حياتي، وحتى ما بعد انتخابي رئيسا للجمهورية، هذه طبيعتي وهذه قناعاتي، ولن أحيد عنها.صدر كثير من الكلام والشائعات والاكاذيب حول بقائي في قصر بعبدا حتى بعد انتهاء الولاية ورفضي المغادرة، على الرغم من تأكيدي اكثر من مرة انني احترم مدة ولايتي ولن أبقى دقيقة واحدة إضافية في منصبي، وتبين ان كل هذه الأكاذيب كان هدفها التجييش ضدي واستهدافي سياسيا في الأيام الأخيرة من ولايتي الرئاسية.
وأضاف، “يبقى المجال مفتوحا حتى اللحظة الأخيرة، كي تستقيم الأوضاع إما عبر انتخاب رئيس جديد أو عبر تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات والقادرة فعلا على تمرير الفترة قبل وصول رئيس جديد الى قصر بعبدا”.
وتابع، “كنت اعتقد ان التوافق على انتخابي رئيسا للجمهورية سيضعنا جميعا على قارب واحد للانطلاق في عمليات الإصلاح والتغيير التي يحتاجها البلد بعد سنوات من السياسات المالية والاقتصادية الخاطئة وانتشار الفساد والهدر في المؤسسات. ولكنني تفاجأت ان ما كان يقال في العلن غير ما يتم العمل به فعليا، فوجدت نفسي شيئا فشئيا أناضل وحدي من اجل مكافحة الفساد وإجراء التغييرات الضرورية لتفادي الوصول الى ما وصلنا اليه. وهذا تماما ما تحدثت عنه حين قلت انه ان لم نجر الإصلاحات اللازمة، فإننا ذاهبون الى جهنم، فتم استغلال الكلمة لمنافع سياسية رخيصة. ولكن للأسف، حصل ما كنت قد حذرت منه، ولم يقف احد الى جانبي للدفاع عما كان يجب القيام به من اجل لبنان واللبنانيين، وبتنا اليوم ملزمين السير في مسار أصعب بكثير مما كان متاحا، اذا ما اردنا الخروج من الأزمة المستفحلة.
وأردف، “أما المسؤول عن هذا الأمر فهو كل من وقف في وجه الإصلاح، وعارض ومنع وحارب مشاريع التدقيق المالي الجنائي والتحقيقات في الفساد والهدر، والتحقيقات لكشف المذنبين في تهريب الأموال وعقد الصفقات المشبوهة وهدر الأموال العامة والاعتماد على الاقتصاد الريعي بدل الاقتصاد المنتج ووضع الخطط المالية الكارثية على المدى البعيد؛ لذلك، أصررت على الوصول الى التدقيق المالي الجنائي على الرغم من كل شيء، وبقيت على هذا الإصرار متخطيا العقبات الكثيرة التي ظهرت، واحدة تلو الأخرى، الى ان تم اقراره واطمأننت الى انه سلك طريقه القانوني وبات حقيقة لا يمكن ازالتها”.
وقال، إنني “متفائل بوصول هذا التدقيق الى خواتيمه، ولو عمد البعض الى تأخيره، ولكننا سنتابع السير به حتى النهاية لأنه اصبح مطلبا دوليا أيضا وشرطا أساسيا للنهوض بلبنان”.
ولفت عون إلى أنني “لطالما اعتمدت على الصراحة في كلامي مع اللبنانيين، وهذا ما جذبهم الي، لأنهم يعلمون أنني رجل صادق. صحيح انه بعد تسلمي مهام الرئاسة، كنت امتنع عن تسمية الأشخاص المسؤولين عن الممارسات الخاطئة التي كانت تحصل، ولكنني كنت اعتمد التلميح احتراما للمسؤوليات الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية. ولكن، لم اكذب يوما على اللبنانيين، وهذا ما زاد من أخصامي السياسيين في لبنان الذين لم يرق لهم التعاطي مع شخص يتمسك بأقواله ومبادئه ولا يعمد الى تغييرها وفق الظروف”.
وأضاف، “ومن الطبيعي بعد انتهاء ولايتي الرئاسية، ان أتحرر من المسؤوليات التي تترافق مع المنصب الرسمي، مع ما اكتسبته من خبرة كرئيس للجمهورية على مدى ست سنوات”.
وأكد حول الخطوات التي ستلي الاتفاق على ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، أنه “بداية، من المهم التوقف عند هذا الإنجاز الذي كان يعتبره الكثيرون، بمن فيهم العديد من اللبنانيين، انه امر مستحيل نظرا لحالة العداء التي تجمع لبنان وإسرائيل. ولكن، بفضل وحدة اللبنانيين وثباتهم في موقفهم، تمكنا من القيام بسابقة فريدة من نوعها في الصراع العربي- الإسرائيلي، حيث ان إسرائيل اعتادت ان تأخذ من العرب ولكنها وجدت نفسها اليوم في الموقع الآخر وان لبنان تمكن من ان يأخذ منها ما تعتبره حقا لها، ومن دون الحاجة الى حرب.
وأردف، في الحقيقة، فإن الوضع كان حساسا لأن البديل عن فشل المفاوضات كان احتمال اندلاع حرب، وبالتالي، اللجوء الى مفاوضات تحت ضغط القذائف، والقبول ربما بأقل مما نرغب فيه، ولكن الحمد لله، صمدنا في موقفنا واستطعنا الحصول على حقل قانا بشكل كامل، والاستفادة من كل ثرواته حتى تلك التي تمتد الى ما بعد حدودنا، وهو امر بالغ الأهمية، من دون ان نتقاسم أي أرباح مع الإسرائيليين.
وتابع عون، أما الأهم فيبقى انه لم نلجأ الى التطبيع أو الى اتفاق سلام مع إسرائيل التي لاتزال عدوة، بل كانت المفاوضات غير مباشرة عبر وسيط هو الأميركيين وبرعاية دولية أمنتها الأمم المتحدة. ولا شك ان هذا الترسيم ارخى أجواء هدوء واستقرار اكبر في المنطقة وخصوصا على حدودنا الجنوبية، لأن العمل على استخراج موارد الطاقة متبادل للطرفين وأي تهديد لهذا العمل، سيلحق الخسائر بالطرفين، ولبنان يحتاج فعلا الى هذا المورد بفعل الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها، وسيشكل استخراج النفط والغاز الطريقة الأسرع للنهوض بالبلد.
وأضاف، لعبت الكويت دورا أساسيا ومحوريا في تبريد العلاقة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من خلال المبادرة الكويتية، هل هذه المبادرة ما زالت مستمرة؟
وتابع، “اعتدنا دائما أن تكون الكويت مصدر تقارب وتوافق بين الدول العربية، وما يجمع بين لبنان والكويت من روابط تاريخية لا يمكن أن يمحى، لا بل إن لبنان يعول دائما على مثل هذا الدور الذي تؤديه الكويت، مشكورة، في تقريب وجهات النظر بين الدول العربية عند ظهور بعض الغيوم في أجواء العلاقات” لذلك، لم يستغرب لبنان قيام الكويت بمبادرة لتبديد أي سوء تفاهم يحصل بين الأشقاء العرب، ولبنان يرحب دائما بمثل هذه الخطوات، خصوصا انه من دعاة التقارب العربي والوحدة، ولطالما نادى بذلك وقد حرصت شخصيا خلال زياراتي الى الدول العربية، وعند تمثيلي لبنان في القمم العربية، على التشديد على أهمية الوحدة والتضامن العربيين لمواجهة المخاطر المشتركة التي تحيط بنا على الصعد كافة، ولبنان كان دائما، وسيبقى، ساحة تفاعل وتلاقي مع الدول الشقيقة والصديقة، وهو حريص على الإبقاء على بعده العربي وهويته العربية”.
وقال، “أستغل المناسبة لشكر صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد على دعوته، وكنت أرغب بالفعل في لقائه بالكويت التي أشعر فيها وكأنني في بلدي الثاني، ولكن للأسف تعذر علي تلبية الدعوة بسبب التطورات التي حصلت والأوضاع الحالية التي يعيشها لبنان، واضطراري الى متابعة بعض الملفات والأمور الملحة. وأنا على ثقة بأن الكويت ستبقى أمينة للطريق الذي اختارته وسار عليه مختلف الأمراء الذين توالوا على الحكم، وأتمنى التوفيق والنجاح لسمو الأمير الذي يسير على الخطى نفسها التي انتهجها أسلافه، لما فيه مصلحة الكويت وشعبها الشقيق.
وأشار حول الدور الكويتي في مساعدة لبنان لتجاوز أزماته المختلفة داخلياً وخارجياً، إلى أنني “كما سبق وأشرت، فإن الكويت تلعب دوراً ريادياً في التقريب بين الأشقاء العرب، ولبنان الذي شكل محورا أساسيا في الأمة العربية، ليس غريبا عن المبادرات الكويتية. وبفعل الروابط الأخوية التاريخية بينهما، ووقوفهما الى جانب بعضهما في مختلف الفترات والظروف، فإن الكويت لم تتلكأ في مساعدة لبنان عند الحاجة، وهي داعمة دائمة لقضاياه المحقة في المحافل الإقليمية والدولية، ومساندة فاعلة له في الشؤون الداخلية وهي تقوم بمبادرات كثيرة كانت ولا تزال، موضع ترحيب وتقدير من الشعب اللبناني.
وأضاف عون، وقد ربطتني علاقة شخصية بالأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، وعرفت من خلاله ان الكويت تبادل لبنان واللبنانيين المحبة والاحترام والتقدير، وهذه الحالة ستستمر طبعا في عهد صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الذي يعمل على تعزيز الروابط وتمتينها مع لبنان وباقي الدول العربية.
وأكد أنه “لم يسبق أن تعرض بلد في العالم لما تعرض له لبنان على مدى السنوات القليلة الماضية، فالمصائب انهالت عليه بشكل متتال، فكانت أزمة الحرب في سورية ومشكلة النازحين السوريين التي ألقت بثقلها، ولا تزال، على كاهل اللبنانيين الذين وجدوا انفسهم أمام واقع رهيب متمثل بوجود اكثر من مليوني نازح على أرضهم وهو عدد لا قدرة للبنان على تحمله، إضافة الى ذلك، كان الإرهاب يضرب المنطقة والعالم وحاول التسلل الى لبنان عبر خلايا نائمة والسيطرة على بعض المناطق، لكن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية تمكنت من إفشال هذا المخطط وشكلت عملية «فجر الجرود» نقطة تحول أساسية في هذه المواجهة لينعم لبنان باستقرار قل نظيره في المنطقة”.
وأضاف، “بعدها، أطلت الأزمة الاقتصادية والمالية برأسها وخلفت تعقيدات على المستويات كافة، ثم كانت كارثة انفجار مرفأ بيروت التي زادت المآسي على لبنان، ثم وباء «كورونا» العالمي، وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، ولكن على الرغم من كل ذلك، لا أزال أؤمن بأن لبنان قادر على النهوض، وان الشعب اللبناني يمكنه تجاوز الصعوبات، اذا ما زاد من وحدته التي هي مصدر قوته. ويمكن للبنانيين أن ينطلقوا من إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وموارد النفط والغاز، للبدء في عملية النهوض والبناء المستدام لمستقبل اقتصادي ومالي سليم يحسن ظروف حياتهم ويعيد الحياة الطبيعية الى ربوع الوطن.
واعتبر أن “بعد الرئاسة، سأعود الى ما كنت عليه قبلها. لقد ناضلت طوال حياتي من أجل بلدي وشعبي، ولن أتوقف، هذا عهد آليته على نفسي وسأعمل به طالما انا على قيد الحياة. وقد يكون من المبكر تدوين المذكرات، فالأهم اليوم هو استكمال خطوات الإصلاح ومحاربة الفساد ووضع الوطن على سكة التعافي والنهوض، وسأكون من موقعي بعد الرئاسة، في الصفوف الأولى لحث اللبنانيين على معارضة كل خطوة من شأنها إعاقة أو تأجيل أو إلغاء المشاريع الإصلاحية الضرورية، وليس من المنطقي أن أتقاعس عما سعيت الى تنفيذه طوال ست سنوات كرئيس للجمهورية وقبله على مدى عقود من الزمن، لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.
وأردف عون، وللتيار الوطني الحر رئيسه وقيادته، صحيح أنني بمنزلة «الأب الروحي» له، لذلك سأبقى حاضرا للمساعدة وتقديم المشورة عند الحاجة، والوقوف الى جانب اللبنانيين المنتمين الى التيار الوطني الحر وغير المنتمين، لأن معركة الإصلاح لا تقتصر على فئة معينة، ولن تستفيد منها شريحة أو تيار سياسي واحد أو حزب واحد، بل إن نتائجها هي للجميع. من هنا دعوتي الى اللبنانيين جميعا كي يلتقوا على هدف واحد لإنقاذ بلدهم وتأمين مستقبل زاهر لهم ولعائلاتهم.