حرص رئيس الجمهورية ميشال عون مع العدّ العكسي لمغادرة بعبدا، على اتخاذ وضعية “الإصبع على الزناد” في الملف الحكومي، موحياً بأن توقيعَ مرسوم قبول استقالة حكومة نجيب ميقاتي (المستقيلة حُكْماً منذ أيار الماضي بعد الانتخابات النيابية) بات قاب قوسين وسيحصل غداً الأحد، ما لم يكن تم تأليف حكومة بشروط فريقه وذلك في محاولةٍ لوضْع العصي في دواليب وراثة حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الأولى، بالتوازي مع سعي لـ”حرق” الحوار الذي يعدّ له رئيس البرلمان نبيه بري الذي وَضعه رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل في “خندق واحد” مع ميقاتي عبر اتهامهما بالتخطيط للاستيلاء على موقع الرئاسة وصلاحياتها عن سابق تَصوُّر وتصميمٍ على… الفراغيْن.
وإذ تم التعاطي مع “شحْذ” مرسوم قبول الاستقالة والمناخات المشتعلة تجاه ميقاتي وبري على أنها تعبيرٌ عن تشكيلٍ بات شبه مستحيل للحكومة بحسب تلميح عون نفسه في حديث تلفزيوني، فإن مفاعيل هذه الخطوة التي يُخشى أن تُغرَزَ في جسم اتفاق الطائف بقيت تُقاس في السياسة أكثر منها في دستورياً، وسط إجماع خبراء وحقوقيين على أن طابعها سيكون بحال حصلت إعلانياً لاستقالةِ الحكومة وليس إنشائياً أي يرتّب تداعيات، باعتبار أن هذا المرسوم لا يوقف بأي حالٍ تصريفَ الأعمال للحكومة الحالية، وهو ما يحصل فقط عند صدور مرسوم التشكيلة الحكومية الجديدة مُتَلازماً وفق العُرف مع مرسوميْ قبول استقالة الحكومة وتسمية رئيس الوزراء.
ومن هنا فإن البُعد السياسي للجوء عون إلى هذا “السلاح الثقيل” الدستوري يبقى الأهمّ كونه يؤشّر إلى أن الجنرال سيقود “جبهة اعتراضٍ” من الرابية يؤسس أرضيتَها الشعبية اليوم ارتكازاً على شدّ عَصَب طائفي، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن “ورقة مرسوم قبول الاستقالة” صارت شبه منتهية الصلاحية بعدما أفرغها ميقاتي نفسه من مضمونها عبر مناخاتٍ تفيد أن انتقالَ صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومته المستقيلة لا تُكْسِبُها صفةً خارج تصريف الأعمال، وأن التلويحَ بحضّ وزراء على الاعتكاف عن ممارسة مهماتهم تحت هذا السقف في محاولةٍ لمنْع مجلس الوزراء من الالتئام في جلساتٍ تشكل الوعاءَ لانتقال صلاحيات الرئاسة الأولى إليه مجتمعاً لا يقدّم ولا يؤخّر لأن ميقاتي لن يدعو إلى جلسات خارج الضرورات القصوى وسيمضي في الاجتماعات الوزارية التي يعقدها على الملفّ.