كشفت المؤشرات إلى انتشار متزايد لحالات الـ”كوليرا” في لبنان، هذه الإصابات لم تعد محصورة كما كانت عند بداية ظهورها، وإنما وصلت إلى مناطق أخرى ومنها كسروان وتحديداً جونيه وبقعتوتا. يعترف وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أن “المشكلة في المياه الملوثة وعلينا تأمين مياه نظيفة للحد من انتشار الوباء”.
ويبدو واضحاً الانتشار الواسع لـ”الكوليرا”، صحيح أن معظم الإصابات هي في صفوف النازحين السوريين، إلا أننا بدأنا نلحظ زيادة في الحالات عند اللبنانيين.
وعلمت “النهار” أن الحالتين اللتين سُجلتا في جونيه تعودان إلى زيارة قريبة من عكار إلى شخصين (الأم وابنها) من الجنسية السورية في جونيه، ليتبين أنها مصابة بالكوليرا ونقلت العدوى إليهما. ونتيجة ذلك، توفي الابن في حين أن الأم أصبحت حالتها مستقرة”.
أما بالنسبة إلى الحالة التي سُجلت في بقعتوتا – عشقوت، فتعود لامرأة لبنانية أدخلت إلى غرفة العناية إلا أن حالتها أصبحت جيدة وخرجت من المستشفى.
وتحذير وزير الصحة من ارتفاع عدد الإصابات وتخطي الطاقة الاستيعابية للمستشفيات مبرر، وكما يقول: “سيكون ذلك تحدياً جدّياً”، فما يجري اليوم من ارتفاع لعداد الإصابات اليومية يُذكرنا ببداية كورونا قبل أن نفقد السيطرة ويتفشى الوباء.
وتسعى المنظمات الدولية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة إلى احتواء الكوليرا قدر المستطاع، لكن طالما أن جذور المشكلة لم تُحل كانشاء محطات تكرير المياه وضخ مياه نظيفة إلى المنازل والبيوت خصوصاً في المناطق الأكثر فقراً وتلوثاً سنشهد على مزيد من الإصابات في الأيام المقبلة.
ونحاول معالجة الأمور كسياسة “النعامة” نخفي رأسنا ونبحث عن حلول سطحية، “ترقيعية”، لكن الأزمة أعمق من القشور، والكوليرا ليست سوى القشرة السطحية لما هو أخطر ويفضح إهمالاً أكبر للدولة منذ عقود.
ويؤكد مدير مسشتفى الراسي الحكومي الدكتور محمد خضرين لـ”النهار” أن “ازدياد الحالات اليومية بالكوليرا أدت إلى معالجة بعض المرضى في الطوارىء، ونحاول توسيع القسم لاستيعاب المزيد من الحالات ولكن يمكن القول إن الوضع اليوم صعب جداً”.
لكن ما يُقال اعلامياً من قبل بعض المعنيين مختلف تماماً عن الذي يجري على أرض الواقع، صرخات متشابهة أطلقها رؤوساء البلدية في الشمال لتعاطي الدولة ووزارة الصحة مع الواقع الوبائي الجديد.
وأطلق رئيس بلدية ببنين كفاح كسار صرخته عبر “النهار”، برأيه أن “وزارة الصحة اكتفت بوزيرها بجولة استعراضية- إعلامية عند إعلان حالات الكوليرا في لبنان، في حين لم يُكلف أحد بزيارة المخيمات والحديث مع الناس لشرح الإجراءات الضرورية التي يجب اتباعها للحد من انتشار الكوليرا. لم يتكبد أحد عناء التنسيق مع البلدية أو المعنيين في المنطقة للبحث في خطة طوارئ لمواجهة تمدد الحالات وانتقال العدوى، فالناس في عكار في وادي والمسؤولون والدولة في وادٍ آخر”.
ويشير إلى أن “غياب الوقاية يزيد من انتشار الحالات ويؤدي إلى كارثة صحية نحن بغنى عنها. أنا أكشف عن حالات يومية في المنطقة لحالات مشتبه بها، وأطلب منها تلقي العلاج في المنزل بسبب عدم قدرة المستشفيات على تلبية ومتابعة كل الحالات المشتبه بها والمؤكدة. لذلك أنا حزين لأنني كرئيس بلدية وكطبيب أجد أن المواطن في عكار متروك من دولته ولا أحد يسأل عنه”.
ويعترف كسّار أن “المواطنين في البلدة يئنون من الفقر والعوز، المياه ملوثة ولا سبيل أو بديل آخر للحصول على مياه آمنة، إذا هربوا من الفقر بحراً ماتوا وإذا اضطروا إلى البقاء أصيبوا بأمراض ومنها الكوليرا نتيجة تلوث الآبار وشبكات المياه بمياه الصرف الصحي. الدولة عاجزة عن القيام بواجباتها، الظروف الاقتصادية زادت الوضع سوءاً والمستشفيات لا تتحمل أكثر من قدرتها الاستيعابية، ندور في حلقة مفرغة والمواطن الفقير يدفع الثمن”.
لا يختلف كلام رئيس بلدية المحمرة عبد المنعم عثمان عن رئيس بلدية ببنين، الحالة واحدة والوجع واحد، يشرح لـ”النهار” أننا “لا نعرف شيئاً عن الإصابات ولا نتبلغ من أحد عن أي إصابة جديدة، المتابعة اليوم تختلف عما كانت عليه مع وباء كورونا، لم يتواصل معنا أحد ولم ترسل إلينا وزارة الصحة أي كتاب أو توجيهات في هذا الموضوع، الوزارة في مكان والمواطنون في مكان آخر”.
ولا يُخفي عثمان أن “السكان في البلدة يستكملون حياتهم كأن شيئاً لم يكن، لا يوجد اجراءات وقائية ولا أي تدابير أخرى، يعملون ويتابعون حياتهم بشكل عادي. وبصراحة لا يمكن لومهم نحن نعيش حياة صعبة، أصعب من حالة الحرب، نحن شعب متروك لقدره، ما دفع ببعض العائلات إلى بيع منازلهم للهروب عبر قوارب البحر يحثاً عن حياة أفضل من تلك التي يعيشونها هنا”.
المشكلة في المياه، وكما بات بعرف الجميع أن مياه الصرف الصحي تتداخل مع المياه الموزعة إلى المنازل، وبالتالي لا يمكن وقف هذا التلوث إلا بانشاء محطات تكرير وتأمين شبكات آمنة لوصول مياه نظيفة إلى المنازل.
ويؤكد رئيس بلدية الريحانية مصطفى وهبه أننا “لم نشهد إصابات جديدة التي بلغت 36 حالة، وجميعها تعود للاجئين السوريين ويتم متابعتهم من الأمم المتحدة ووزارة الصحة. كما أن طبيبة القضاء التابعة لوزارة الصحة على تنسيق دائم ومتواجدة على الأرض لمتابعة أي مستجدات وبائية والتوعية للحد من انتشار الكوليرا”.