أكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أن “لا علاقة بين ملف ترسيم الحدود البحرية والملف الرئاسي، مستبعداً وجود خلفيات سياسية استراتيجية خلف اتفاق الترسيم فالمسألة مجرد مصلحة مشتركة بين البلدين”، معتبراً أن “تدخل حزب الله أخّر بإبرام اتفاق الترسيم لا تسهيله، كما يصوّره البعض”.
واعتبر جعجع في حديث لقناة “الجزيرة” مع الإعلامي مازن إبراهيم، اليوم الأربعاء، أنه “علينا انتظار تفاصيل الاتفاق وحيثياته لإبداء الموقف النهائي منه لكن الرأي الأولي أنه من الأفضل حصول عملية الترسيم ليبدأ لبنان مساره باتجاه انتاج الغاز والنفط، لكن لا شيء يستدعي احتفال الرؤساء الثلاثة بتوقيع هذا الاتفاق لا سيما أنه أتى متأخراً 6 أو 7 سنوات على الأقل ناهيك عن أنهم ليسوا من وضعوا النفط والغاز في البحر بل هو موجود أصلاً”. وشدد على ”وجوب أن تذهب الأموال التي ستجنى من الغاز والنفط إلى الصندوق السيادي وعدم السماح لأحد باستعمالها في الوقت الحاضر لأي غرض كان”.
وحول الخط 23، قال جعجع، “لست في صدد الدفاع عن الحكومة الحالية أو عمن خاض المفاوضات، لكن عن قناعة شخصية هناك فرق شاسع بين الدراسات النظرية والواقع على الأرض، إذ علينا أن نأخذ بالاعتبار أموراً عديدة خلال المفاوضات. من هذا المنطلق، ما حصل أفضل الممكن أو هو الممكن في الوقت الحاضر، ومن الأفضل التصرف بما هو ممكن بدل عدم التصرف بالغير ممكن”. وتابع، “لا يكفي في ترسيم حدود لبنان اتباع بعض الدراسات النظرية لأنها عملية معقّدة وتحتاج إلى عدد من الخبراء والتقنيين لذلك نعتبر أن هذه هي الحدود الممكنة حالياً انطلاقاً من كل ما هو موجود في الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعني أن لبنان رضخ بما طرح عليه أو ما استطاع تحصيله”.
واستبعد “وجود خلفيات سياسية استراتيجية خلف هذا الاتفاق، فالمسألة مجرد غاز ونفط من الطرفين أي مصلحة مشتركة ليستفيد كل طرف منهما ضمن حدوده”، ولفت جعجع إلى أن “الأميركيين من قاموا بضغط كبير لإنجاز هذا الاتفاق لمئة سبب وسبب، فضلاً عن الحاجة الأوروبية للغاز والنفط أيضاً التي تبلورت في في الأشهر الأخيرة، ناهيك عن مصلحة لبنان وإسرائيل في ذلك وبالتالي التقت كل المصالح”.
ورأى جعجع، أنه “لا علاقة للتطبيع بما حدث فهو قرار سياسي يتخذ بالدرجة الأولى ليترجم بعدها على الأرض، والدليل الأكبر عندما اتى الامر حول الحصص في حقل قانا رفضت السلطة اللبنانية كل الاقتراحات الأميركية أو الإسرائيلية التي كانت تطرح نوعاً من المشاركة بين البلدين، ولو بحصص محددة، إلى أن تمّ الاتفاق على الصيغة الحالية التي تمنح في نهاية المطاف ما لإسرائيل لإسرائيل من حقل قانا ولو بطريقة أخرى لا علاقة لها بالشراكة مع لبنان”.
أما عن مقاربة حزب الله للترسيم واعلانه الاصطفاف خلف الدولة، فقال، إن “الحزب اعتمد هذه الخطوة باعتبار أن لها انعكاسات اقتصادية بعد أن أدرك تماماً أن لبنان بات في الحضيض الاقتصادي بيئته الحاضنة تمر في حالة صعبة ولا قدرة لديه على الاستمرار، خصوصاً أن أكثرية الراي العام اللبناني يحمله مسؤولية الانهيار الامر الذي أجبره على إيجاد مخرج ما وهو تسهيل عملية استخراج الغاز والنفط”.
وأضاف، أنه “مع العلم ان في المبدأ على الحزب الاصطفاف خلف الدولة اللبنانية في هذه المسألة كما سواها كالحدود البرّيّة مثلاً، فما الفرق بينها وبين الحدود البحرية؟ فكل ما يلزم لإنهاء موضوع مزارع شبعا هو توقيع محضر مشترك حول الاعتراف بلبنانيتها بين الحكومة السورية، التي لحزب الله تأثير عليها، وبين الحكومة اللبنانية”.
وذكّر جعجع أن “تدخّل حزب الله منذ أشهر أخّر بإبرام اتفاق الترسيم لا تسهيله، كما يصوّره البعض، لأن الإنجاز الفعلي هو الخط 23 بعد أن كانت إسرائيل تطالب بالخط 1، وهذا الخلاف حسم منذ سنة تقريباً ولا فضل للحزب بذلك. وتوقيت هذا التدخل أتى في فترة المفاوضات حول طرح قانا مقابل كاريش، إلا أن فعلياً كانت النتيجة أي شيء من قانا خارج الخط 23 يذهب لإسرائيل، وبالتالي كلام حزب الله يأتي في سياق الاستهلاك المحلي”.
ورأى أن “عدم اتخاذ الحزب بعدها أي موقف في هذا الاتجاه واكتفاءه بالوقوف خلف الدولة اللبنانية خير دليل على صوابية هذا الكلام، ولو أن تدخلاته كانت محاولة ردع فعلا، لكان استعملها من أجل مزارع شبعا”. وخلافاً لما يسوّق له البعض، شدد جعجع على أن “لا علاقة أبداً بين ملف الترسيم والاستحقاق الرئاسي”، مؤكداً “مشاركة تكتل الجمهورية القوية في الجلسة المزمع انعقادها غداً وانتخاب النائب ميشال معوض كما حصل في الجلسة الأولى”.
وأعرب عن “حاجة لبنان إلى عملية انقاذ فعلية باعتبار أننا لا نستطيع الاستمرار بتسيير الأمور بالتي هي أحسن أو الاكتفاء بالوضع الراهن”، مشيراً إلى “ضرورة انتخاب رئيس انقاذ فعلي يتمتع بشخصية قوية لاتخاذ عشرات القرارات المناسبة يومياً، لديه قدرة الحسم، ديناميكي، إصلاحي بالدرجة الأولى وعازم على قيام الدولة في لبنان”، وموضحاً أن “هذه هي المواصفات المطلوبة في هوية الرئيس الجديد ومن يعتبرها تنطبق على رئيس تحدّ فهذا شأنه إذ لا أهمية للتوصيف”. ورأى أن “معوض تتسم فيه هذه الصفات لذا اخترناه كما كثر من أفرقاء المعارضة ونعمل على تغيير التوازنات لتأمين حظوظ أكثر له بدل التوجه الى مرشح آخر لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لهذا المنصب، فكلمة السر اليوم تكمن في أهمية انتخاب رئيس جمهورية فعلي ينقلنا إلى جمهورية فعلية”.
وتابع، “يعتبر 66 أو67 نائباً أنفسهم ضد المنظومة الحاكمة، وهم يشكلون أكثرية مطلقة، منهم 40 نائباً اختاروا ترشيح معوّض في الوقت الذي هناك 10 نواب يؤيدونه ولكن لم يصوّتوا له في الجلسة الأولى لأسباب تكتيكية، لذا على من تبقى من نواب المعارضة أن يتحلّوا بالديمقراطية، بالحد الأدنى، والسير بمعوّض وإلا سيسهّلون عودة رئيس من المنظومة الحاكمة خلافاً لما أدعوه في الفترات السابقة.”
أما عن إمكانية أن تنجز “القوات اللبنانية” أي تسوية رئاسية كالتي شهدناها عام 2016، فأكد جعجع أنه “بعد تجربة التسوية مع الرئيس ميشال عون التي اعتمدت تحت ضغط ظروف معينة نرفض أي تسوية مماثلة في الوقت الحاضر تحت أي ضغط باعتبار ما نعيشه اليوم هو نتيجة التسويات”. وعن تأييد “القوات” لقائد الجيش، أكد، أن “لا فيتو لدينا على العماد جوزف عون ولو أننا نفضّل رئيساً سياسياً مدنياً، لكن إذا حصلت تقاطعات وأيّدت أكثرية قائد الجيش فلا مشكلة لدينا. فالمواصفات المطروحة من قبلنا تنطبق عليه إلا أننا لا نريد تكريس قاعدة ان كل قائد جيش يأتي في ما بعد رئيساً للجمهورية ولكن في الوقت عينه هذا الامر ممكن تخطيه”.
ولفت إلى أن “الصعوبات كثيرة وكبيرة لانتخاب رئيس قبل انتهاء المهل الدستورية، وفي مقدمتها أن فريق الممانعة لا يريد انتخابات حالياً، ففي الجلسة الأولى وضع ورقة بيضاء وعلى الرغم من مرور أسبوعين لا مرشح لديهم حتى الآن لانتخابه في الجلسة الثانية”. واعتبر أن “هذا الفريق لا يستفيد من التعطيل، لكن ليس بقدرته إيصال المرشح الذي يريد على خلفية فقدانه الأكثرية في المجلس النيابي، من هنا يسعى الى تشكيل حكومة، وهذا هراء، إذ تفصلنا أيام عن انتهاء ولاية الرئيس ما سيحوّل أي حكومة جديدة الى حكومة تصريف أعمال”.
وأكد أن “الأولوية تكمن في الانتخابات الرئاسية”، ورأى جعجع أن “الأمل يبقى في من يدّعون انهم ضد المنظومة الحاكمة، في ظل وجود مرشح يتمتع بالمواصفات المقبولة بنظرهم ويتمتع بالخطاب السياسي والتطلعات والاهداف ذاتها، وينطلق من 40 صوتاً مع إمكانية ارتفاع هذا العدد الى 50″، مذكّراً أن “معوّض قدّم استقالته مع بعض النواب عقب انفجار المرفأ”.
وقال جعجع، “لكل شخص رأيه ولكن أثبتت الوقائع أن القوات ليست من المنظومة الحاكمة، ونتيجة الانتخابات النيابية خير دليل، إذ ما من حزب ينضوي فيها، بدءاً من التيار الوطني الحر، حزب الله وحركة أمل وصولاً الى كل الأحزاب الموالية لهم، إلا وتراجع أو خسر في هذا الاستحقاق، فحتى الحزب تراجعت أصواته التفضيلية مقارنة بالـ2018، بينما القوات نالت تقريباً ضعف الأصوات التفضيلية، وبالتالي لا يمكن لأحد ان يتشبّث بموقفه فيما الناس منحته المزيد من الثقة”.
أما عن إمكانية حصول توتّرات أمنية، فاستبعد جعجع “هذا الامر باستثناء التوترات الاجتماعية التي نشهدها في الوقت الحالي تحت وطأة الازمة المعيشية”، مضيفاً أننا “نحمل مسؤولية ما وصلنا اليه في السنوات الأخيرة إلى الحزب والتيار وحلفائهما لمشاركتهم بشكل مستمر في السلطة حتى قبل وصولهم إلى سدة الرئاسة وتحكمهم بكل الحكومات ابتداء من العام 2011 حتى 2022، وسيطرتهم على القرار السياسي في لبنان أن على مستوى العزلة العربية والدولية أو على صعيد الازمة المعيشية والاقتصادية”.
وأوضح أن “لبنان يعيش عزلة ليس حصاراً كما يصوّر حزب الله، فالدول العربية لا يمكنها نسج علاقات مع دولة تعتبرها صديقة فيما تشهد يومياً أعمالاً عدائية من داخل هذه الدولة وضمن اطار صلاحياتها، والأمر مشابه مع الدول الأجنبية وهذا أمر طبيعي في ظل غياب الدولة”.
وعما إذا كان هناك من ضغوط خارجية على المسؤولين اللبنانيين من أجل تسريع الانتخابات، أوضح جعجع، أن ”الضغوط كلمة كبيرة، نحن نرى إلحاحاً دولياً وعربياً، ولمسنا استعداداً أوروبياً لوضع عقوبات على كل من يعرقل هذا الاستحقاق، مهما علا شأنه، لكن لا نعرف مدى تأثير ذلك، باعتبار أن الأكثر تأثيراً يبقى الرأي العام اللبناني الضاغط لإجراء الانتخابات في خضم الازمات”.