واصل الإيرانيون اليوم تظاهراتهم لليلة الثانية عشرة توالياً احتجاجاً على وفاة مهسا أميني، في تحد لحملة قمع تقول جماعة حقوقية إنها أسفرت عن مقتل أكثر من 75 شخصاً.
اندلعت التظاهرات التي تقودها النساء في أعقاب وفاة شابة كردية تبلغ 22 عاماً خلال احتجازها لدى شرطة الأخلاق لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة للجمهورية الإسلامية.
وقالت وسائل إعلام معارضة مقارها في الخارج إن احتجاجات واسعة النطاق استمرت في مدن مختلفة، لكن نشطاء قالوا إن القيود المفروضة على الإنترنت تجعل من الصعب على نحو متزايد نشر لقطات فيديو.
وظهرت امرأة وهي تلوح بحجابها الذي نزعته عن رأسها في فيديو بثته قناة مانوتو التلفزيونية التي ذكرت أيضاً أن تظاهرة خرجت في مدينة شاباهار الساحلية الجنوبية.
وشوهدت نساء في سنندج عاصمة محافظة كردستان في غرب إيران التي تتحدر منها أميني وهن ينزعن الحجاب، إضافة إلى رجل يضرم النار بلافتة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في مدينة شيراز الجنوبية، وفق تقارير بثّها تلفزيون إيران الدولي ومقره لندن.
وقال مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك إن “إيران ما زالت تعاني من انقطاع الإنترنت والهاتف المحمول، لكن يتم إرسال بعض مقاطع الفيديو”.
وذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية أن “نحو ستين” شخصاً قتلوا منذ وفاة أميني في 16 ايلول، في ارتفاع عن الحصيلة الرسمية البالغة 41 قتيلاً التي أعلنت عنها السلطات الإيرانية السبت.
لكن منظمة “إيران هيومن رايتس” ومقرها أوسلو قالت إن 76 شخصاً على الأقل قتلوا جرّاء حملة القمع.
وقال مسؤولون إنهم اعتقلوا أكثر من 1,200 شخص. وهؤلاء الذين نقلوا إلى الحجز الاحتياطي بينهم ناشطون ومحامون وصحافيون وكذلك متظاهرون.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن وزير الصحة بهرام عين اللهي اتهامه للمتظاهرين بتدمير 72 سيارة إسعاف، بينما قال نشطاء خارج إيران إن السلطات تستخدم سيارات الإسعاف لنقل قوات الأمن.
توتر مع الغرب
ارتفع مستوى التوتر بين الجمهورية الإسلامية والدول الغربية، إذ أعربت باريس الإثنين عن “إدانتها بأشدّ العبارات القمع العنيف الذي يمارسه الجهاز الأمني الإيراني ضدّ التظاهرات” المستمرّة، فيما استدعت ألمانيا السفير الإيراني.
واليوم انضمت مؤسسة “فريدوم هاوس” إلى سائر مؤسّسات الفكر والأبحاث في انتقاد إيران، حيث دعت “الحكومات الأخرى للوقوف إلى جانب هؤلاء المتظاهرين الشجعان ومحاسبة المسؤولين الإيرانيين على انتهاكاتهم”.
قبل ذلك بيوم، ندّد الاتحاد الأوروبي بالاستخدام “غير المتكافئ والمعمم” للقوة واستدعاء طهران السفيرين البريطاني والنروجي.
وقال مدير منظمة “إيران هيومن رايتس” محمود أميري-مقدم “ندعو المجموعة الدولية إلى اتّخاذ خطوات عملية بشكل حاسم وموحد لوقف قتل وتعذيب المتظاهرين”، مضيفاً أن التسجيلات المصورة وشهادات الوفاة التي حصلت عليها المنظمة تظهر أن “الذخيرة الحية تطلق مباشرة على المتظاهرين”.
وعمد عناصر شرطة مكافحة الشغب الذين كانوا يحملون دروعًا إلى ضرب المتظاهرين بالهراوات، ومزّق طلاب صورًا كبيرة للمرشد الأعلى وسلفه آية الله روح الله الخميني، وفق ما أظهرت مشاهد بثّتها وكالة “فرانس برس”.
وأوقف 20 صحافياً على الأقل بحسب لجنة حماية الصحافيين.
وقالت مهسا علي مارداني، الباحثة البارزة في منظمة “آرتيكل 19” للدفاع عن حرية التعبير، إن حجب الإنترنت كان بنفس المستوى الذي كان عليه خلال احتجاجات تشرين الثاني 2019 التي اندلعت بسبب رفع أسعار الوقود.
وأضافت، “توقف نشر المحتوى كما كان عليه في السابق. انعدمت إمكانية الوصول إلى إيران. هذا احتمال مخيف حقاً يشي بمزيد من إراقة الدماء”.
– “مطالب الشعب” –
شدّد رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي على “ضرورة التعامل بدون أيّ تساهل” مع المحرضين على “أعمال الشغب”.
لكنّ المرجع الديني الإيراني البارز حسين نوري الهمداني، حليف المعسكر المحافظ المتشدّد، حضّ الإثنين سلطات الجمهورية الإسلامية على “الإصغاء للشعب”.
وجاء في بيان نشره موقعه الإلكتروني أنّ “القادة عليهم أن يصغوا لمطالب الشعب وأن يحلّوا مشاكله وأن يظهروا اكتراثاً بحقوقه”.
صدرت بعد قمع التظاهرات إدانات من حكومات غربية، ما طغى على الجهود الدولية لإحياء الاتفاق النووي بين ايران والقوى الكبرى والذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018.
وانتقد الاتحاد الأوروبي إيران وقال إن “الاستخدام غير المتكافئ للقوة في حق المتظاهرين مرفوض وغير مبرّر”، على ما جاء في بيان لمسؤول السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل.
وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي “سيواصل درس كل الخيارات المتاحة قبل الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية إزاء وفاة مهسا أميني والطريقة التي ترد فيها القوى الأمنية الإيرانية على التظاهرات التي تلت”، في البلد الذي فرضت عليه عقوبات على خلفية برنامجه النووي.
وكانت الولايات المتحدة فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على شرطة الاخلاق الإيرانية فيما قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الإثنين إن بلاده ستقوم بالمثل ضمن رزمة عقوبات تشمل “عشرات الأفراد والكيانات”.