كتبت أسرار شبارو في “الحرة”:
انطلقت حملة لمقاطعة شراء المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية في لبنان، احتجاجاً على عدم خفض أسعارها على الرغم من التراجع الكبير في سعر صرف الدولار.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا منشوراً جاء فيه “ندعو جميع المواطنين لعدم شراء المواد الغذائية واللحوم والدجاج لحين خفض الأسعار بما يتناسب مع نزول سعر الدولار، وذلك لمدة أسبوع فقط… بأسبوع فقط يمكن أن تفرض إرادتك على التجار… ولا تنتظر الدولة ولجنة مكافحة الغلاء، قراركم بيدكم.. لأوسع نشر وبسرعة معاً نحو مجتمع محاسب ومراقب”.
وأضاف المنشور “إن لم تستطع المشاركة في المقاطعة فأنت حتماً تستطيع المشاركة في النشر على فيسبوك، الحملة تبدأ من الاثنين، جرب مرة في عمرك أن تكون صاحب القرار”.
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850 وقد فقدت “العملة المحلية حوالي 82 في المائة من قوتها الشرائية مقابل الدولار، ما بين عامي 2019 و2021” بحسب ما أعلنته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” قبل يومين.
ومنذ حوالي الأسبوعين تراجع سعر صرف الدولار حوالي 13 ألف ليرة، حيث أمل اللبنانيون أن يؤدي ذلك إلى تراجع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية ليصدموا أن الغالبية منها بقي سعره على حاله.
الحملة التي أطلقها اللبنانيون دفعت وزارة الاقتصاد إلى التشدد في مراقبة محلات السوبرماركت، حيث أكد مدير عام الوزارة محمد أبو حيدر لموقع “الحرة” أن “وزير الاقتصاد والتجارة كلفه وفريق حماية المستهلك بمتابعة الجولات على مستوى كل لبنان واتخاذ أقسى الاجراءات بحق المخالفين”.
وجال أبو حيدر قبل يومين على السوبرماركت في بيروت وتم تسطير محاضر ضبط في حق المخالفين، حيث صرّح خلال الجولة أن “تخفيض أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية لم يكن بمستوى الانخفاض الذي يشهده سعر الدولار”.
حملة “غير فعّالة”
وأفاد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بأنّ “أسعار المواد الغذائية ارتفعت على مستوى العالم بسبب الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية والأحوال الجوية السيئة وارتفاع أسعار الطاقة، مما يفرض أعباء ثقيلة على الفقراء ويهدد بزيادة الاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وأثرت الزيادات على أنواع متنوعة من الأغذية مثل الحبوب، الزيوت النباتية، الزبد والمعكرونة، لحم البقر والقهوة”.
واعتبر رئيس جمعية المستهلك زهير برو أن حملة المقاطعة التي أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي “غير فعالة، لا بل تصرف النظر عن السبب الحقيقي للمشكلة ” مشدداً “من المستحيل مقاطعة كل السلع، فلو اقتصر عدم تراجع الأسعار على سلعة أو اثنتين لكان يمكن مقاطعتهما، لكن أكثر من 90 بالمئة من السلع لم يتراجع سعرها أو تراجع بنسبة قليلة لا تصل إلى 15 بالمئة”.
كذلك اعتبر المحامي حسن بزي أن حملة المقاطعة “بقيت مجرد كلام من دون تنفيذ وتنسيق بين مجموعات الثورة بشكل جدي، وفي الواقع جنى التجار أرباحاً هائلاً، من هنا مقاطعتهم لأيام لن تؤثر، وما يردعهم فقط هو ختم محلاتهم بالشمع الأحمر، توقيفهم في النظارات، وتسيطر محاضر ضبط بحقهم لا تقل عن 500 مليون ليرة، لذلك نحتاج إلى القضاء والسرعة بالأحكام”.
أما رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي فأبدى تفهمه لحملة المقاطعة التي أعلنها الناشطون، واعتبر أن “هناك الكثير من العوامل التي تدفع المواطنين للقيام بذلك، خصوصاً أن بعض التقارير الإعلامية والكثير من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي أكدوا أن الأسعار لم تنخفض بنفس نسبة انخفاض سعر صرف الدولار، وهذا ما أكدناه نحن منذ أسبوع، حيث أشرنا الى أن هناك بعض السلع لم تنخفض أسعارها كما يجب”.
ودعا بحصلي عبر موقع “الحرة” “العاملين في القطاع التجاري لاسيما الغذائي، إلى اتخاذ الخطوات المباشرة وإلى جعل هذا السعر يتناسب مع انخفاض سعر الدولار وكلفته وإحتسابه بشكل محق”، مؤكداً أن “الصعوبات المعيشية التي يعيشها المواطن وبالتالي تٱكل القدرات الشرائية وارتفاع مستويات البطالة بين اللبنانيبن، كل هذه الضغوط الإجتماعية والمعيشية ستدفع نحو رفض أي عدم تجاوب لإنخفاض الأسعار ولو بنسب بسيطة، لأن الناس باتت تحتسب أي مبالغ ولو كانت زهيدة إذ أن ذاك يؤثر على قدرتها المعيشية”.
وقام وزير الاقتصاد أمين سلام اليوم الجمعة، بجولة على المتاجر ومحلات السوبرماركت في عدد من المحلات في بيروت، وذلك بمؤازرة أمن الدولة، وتمّ توجيه إنذارات للمخالفين، وقال أبو حيدر لموقع “الحرة” “منذ بدء حملتنا تم تسطير العشرات من محاضر الضبط وتوقيف عدد من المخالفين بعد اغلاق محلاتهم بالشمع الأحمر”.
تراجع وهمي
“تفاقم الفقر في لبنان إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74% تقريبًا من مجموع السكان” بحسب تقرير لـ”الإسكوا” صدر في شهر سبتمبر الماضي، “وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82%”.
جولات مراقبي وزارة الاقتصاد طالت كذلك محال بيع المواد الغذائية في مختلف المناطق، حيث تم توجيه إنذارات لعدد من المحال المخالفة.
“اعتبار صغار التجار هم سبب ما يعانيه اللبنانيون مبرر وتبرير واخفاء للمسؤولين الحقيقين عن الأزمة الاقتصادية في البلد”، بحسب برّو الذي شدد “نوجه أصبع الاتهام إلى الطبقة السياسية والسياسات الاقتصادية حيث لم يتخذ أي قرار للخروج من الأزمة ولم يتم وضع خطة تعافي”.
واعتبر برّو أن تراجع سعر صرف الدولار “وهمي، سياسي وغير مستدام، كونه لم يحصل على أسس اقتصادية سليمة، بل لأن ذلك من مصلحة قوى سياسية، والسبب الرئيسي لهذا التراجع هو المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فهناك محاولة للايحاء بأن أرقام الموازنة صحيحة”، وختم “تركيب الطرابيش هي السياسة الوحيدة التي تتقنها السلطة خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية”.
أما بزي فوصف التجار بالعصابة قائلاً “لو كان هناك دولة فاعلة لما تجرأوا على ذلك الجشع، الطمع، انعدام الانسانية والانتماء الوطني، وبما أن النيابات العامة لم تتحرك من تلقاء نفسها ووزارة الاقتصاد شبه عاجزة في ظل ضعف الجهاز الرقابي فيها، قررنا وضع الأجهزة الأمنية والنيابات العامة أمام مسؤولياتها” لافتاً إلى أن “المشكلة أن وزارة الاقتصاد لديها 50 مراقباً على كافة الأراضي اللبنانية، في حين يتم توظيف مئات المراقبين لرجال السلطة”.
من جانبه، شدد بحصلي على ضرورة تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين نقابة المستوردين برئاسته ونقابة أصحاب السوبرماركت برئاسة نبيل فهد مع وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام حول تحديد لائحة تضم 60 الى 70 سلعة أساسية تدخل في صلب الإستهلاك اليومي للمواطن، لإعلان أسعارها أسبوعياً من خلال الموقع الإلكتروني للوزارة.
وأكد “هذا الأمر يتم بإشراف وزارة الإقتصاد كونها هي الجهة المعنية الوحيدة والقادرة على إعلان الأسعار، ومن خلال هذه الآلية يمكن القيام بضغط حقيقي على كل من لا يتجاوب بشكل كامل مع خفض أسعاره، وتضع حداً للتجاوزات ولأي شخص تسوله نفسه التلاعب بالأسعار”.