نتنياهو 'وموت الحلم الصهيوني'

نتنياهو 'وموت الحلم الصهيوني'
نتنياهو 'وموت الحلم الصهيوني'
ناقش أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد آفي شليم، في مقال له نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، انعكاسات الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي فاز فيها تحالف اليمين بزعامة الليكود على مستقبل إسرائيل كدولة والتغير الذي طرأ على النخبة السياسية.

وركّز شليم في مقاله، على تولي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين تنتياهو المنصب للمرة الخامس، معتبرا ذلك مؤشرا على "موت الحلم الصهيوني".


وقال شليم أنّه "منذ عشرينيات القرن الماضي، كانت الحركة الصهيونية منقسمة إلى مجموعتين كانت كل منهما تتقدم بأفكار منافسة حول الدولة اليهودية، إحداهما كانت ليبرالية والأخرى يمينية. وكان دافيد بن غوريون، الأب المؤسس لإسرائيل وأطول رؤساء وزراء إسرائيل مدة في الحكم، زعيم الصهيونية العمالية ذات الرؤية اللبرالية، بينما كان زيف جابوتنسكي، مؤسس الصهيونية التحريفية، الأب الروحي لليمين الإسرائيلي. كان بن غوريون يجسد الحلم الصهيوني في دولة يهودية مستقلة قائمة على العدل والمساواة، فيما كان جابوتنسكي قومي يهودي متوقد الحماس، يرى أن من حق اليهود فرض سيادتهم على كل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط".

وأضاف: " على الرغم من قيادته المعارضة للتيار الصهيوني الرئيسي، إلا أن جابوتنسكي كان في واقع الأمر المهندس الرئيس للاستراتيجية التي حددت مسار الحركة بأسرها في المواجهة مع الفلسطينيين – استراتيجية "الجدار الحديدي". وتشكلت هذه الاستراتيجية من مرحلتين: الأولى بناء جدار حديدي من القوة العسكرية اليهودية لإكراه العرب على الاعتراف بأن الدولة اليهودية وجدت لتبقى، ثم التفاوض مع العرب بشأن حقوقهم ووضعهم في فلسطين. كان لب الاستراتيجية هو المفاوضات من موقع القوة. إلا أن الخطر الكامن فيها تمثل في أن التفوق العسكري من شأنه أن يؤدي إلى تعنت دبلوماسي." 

وبحسب شليم فإنّه "من أوجه متعددة، يعتبر بنيامين نتنياهو – الذي حقق نصراً انتخابياً خامسا الأسبوع الماضي في انتخابات، الوارث الحقيقي لإرث جابوتنسكي. علما بأن والده، بن صهيون نتنياهو، كان سكرتير جابوتنسكي ومحرر الصحيفة اليومية للتحريفيين واسمها هاياردين. كما يعتبر حزب نتنياهو، أي حزب الليكود، خليفة حزب التحريفيين ما بعد الاستقلال وكان اسمه هيروت".

وتابع: "بعد النصر الذي حققه في الأسبوع الماضي، يكون نتنياهو قد وضع قدميه على الطريق التي ستجعل منه أطول رئيس وزراء حكما في إسرائيل، متفوقا في ذلك على بن غوريون نفسه بسحقه خصومه اليساريين، وتغلبه على منافسيه في الحزب الوسطي الجديد، يكون نتنياهو قد كسب أكثر من مجرد فترة أخرى من الحكم: لقد ضمن الحصول على تفويض جديد للمضي قدما في تطبيق فكرته الخاصة بإسرائيل الكبرى".

وأردف: "يبدو كما لو أن التحريفيين تمكنوا أخيرا بعد ما يقرب من مائة عام، من كسب المعركة حول ما ينبغي أن تكون عليه الصهيونية، ولكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في واقع الأمر، أكثر محافظة وأكثر تشددا من مؤسس الحركة، فقد كان سلوك جابوتنسكي إزاء التطلعات الوطنية للفلسطينيين، وكما صرح هو بنفسه، نوعا من "اللامبالاة المؤدبة". أما سلوك نتنياهو فلم ينفك عن كونه نوعا من العداوة الفعالة والصارمة وبلا هوادة، كان جابوتنسكي سيقوم بدور المفاوض الصعب، أما نتنياهو فليس بمفاوض أبدا".

وأشار شليم إلى أنّ "نتنياهو ينتمي إلى مذهب الصراع الدائم، ولذلك فهو يستبعد تماماً إمكانية التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين عبر التفاوض، لأنه غير مستعد للاعتراف لهم بمطلبهم الأساسي، أي إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع الغزة تكون عاصمتها القدس الشرقية. وبدلا من السعي لتجسير الهوة، يقوم فعليا بتعميقها من خلال تحويل نزاع سياسي إلى صدام حضارات، لم يسبقه من قبل زعيم إسرائيلي واحد، طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. ما من شك في أنّ نتنياهو عندما طالب في عام 2009 بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة يهودية، كان يعرف أن ما من زعيم فلسطيني، مهما كان معتدلا، بإمكانه أن يقبل بذلك. السياسة والدين مزيج متفجر، ومن خلال تأكيد الجانب الديني للصراع، فإنه يجعل منه صراعا مستعصيا على الحل".

وأوضح شليم أنّه: "لا شيء يوضح بجلاء رؤية نتنياهو لإسرائيل أكثر من قانون الدولة القومية الذي أجازه الكنيست في تموز الماضي، والذي ينص القانون على أن حق تقرير المصير في البلاد إنما هو "حكر على الشعب اليهودي".  ويحط هذا القانون من قدر اللغة العربية إذ ينزع عنها صفة اللغة الرسمية، ويسمح للدولة بأن تميّز بين مواطنيها على أساس العرق والإثنية والدين. ويشكل بذلك النقيض التام لإعلان استقلال إسرائيل في عام 1948، الذي وعد بالمساواة الاجتماعية والسياسية لكل سكان إسرائيل بغض النظر عن الدين والعرق والجنس".

وبحسب الكاتب اليهودي فقد "بات تعريف إسرائيل لذاتها بأنها دولة يهودية خالصة ذات مركزية عرقية منصوصاً عليه في القانون، ولم يترك نتنياهو مجالا للشك بأن تلك بالضبط هي الطريقة التي يرى من خلالها البلاد التي أعيد انتخابه للتو زعيما لها، فهو كان قبل الانتخابات بأسابيع قليلة قد كتب يقول: "إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها، بل إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وللشعب اليهودي فقط لا غير"، وقبل  أن يتوجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع بثلاثة أيام، أعلن نتنياهو أنه إذا ما أعيد انتخابه، فسوف يضم بشكل رسمي المجمعات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية".

ورأى شليم أنّ "توقيت الإعلان عن ذلك تم تحديده بذريعة انتخابية، ولكن إذا ما تبع ذلك سن تشريع بشأنه، فيبدو محتملا أنه سيكون بمباركة من الرئيس ترامب، الذي استجاب لرغبات نتنياهو فاعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. وإذا ما تم ضم أجزاء من الضفة الغربية، فإن ذلك سيكون بمنزلة الناقوس الذي يعلن وفاة حل الدولتين، ولربما نجم عنه إشعال الانتفاضة الفلسطينية الثالثة".

ولفت إلى أنّ "المجتمع الإسرائيلي، ومنذ اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، يتحرك بثبات نحو اليمين. ولقد كانت حكومات نتنياهو الأربع الأخيرة نتيجة وسبباً، في الوقت نفسه، لذلك الجنوح. كان بن غوريون يشكل حكومات ائتلافية معتدلة، تميل نحو يسار الوسط من خلال إقصاء الشيوعيين وحزب هيروت الذي يعتبر البذرة التي نما منها حزب الليكود. أما نتنياهو فهو الآن بصدد تشكيل حكومة ائتلافية مع من يطلق عليهم صفة "الشركاء الطبيعيون" – أي الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية والمتدينة. ما من شك في أن مثل هذه الحكومة عندما يكتمل تشكيلها ستستحق أن توصف بأنها الحكومة الأكثر رجعية والأشد عنصرية في تاريخ إسرائيل. وسيدون اسم نتنياهو في التاريخ على أنه رئيس الوزراء الذي حول إسرائيل رسميا إلى دولة أبارتيد (فصل عنصري)، وقام دون أدنى تكلف بدفن الحلم الصهيوني الليبرالي".

وأوضح شليم أنّه "على الرغم مما كان بينهما من اختلافات أيديولوجية جادة، إلا أن فرعي الحركة الصهيونية توّحدا تاريخيا، في اعتقادهما بأنه ينبغي أن تبقى إسرائيل يهودية وديمقراطية، كما أنهما اجتمعا على رؤية مشتركة بشأن موقع إسرائيل في العالم، وكان بن غوريون كثيرا ما يلجأ في وصف إسرائيل إلى العبارة التوراتية التي تقول "نور يسطع على الأمم". وكانت أبرز الخصال التي يعتز بها جابوتنسكي هي "هادار"، أي الكرامة، أما نتنياهو، فليس بمقدوره الالتزام بموقف أخلاقي، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى السياسي، فهو في الداخل يواجه تهما جنائية بالفساد، بينما يعمل في الخارج على تكريس صورة الدولة المعسكرة والمتجهة بشكل متزايد نحو السلطوية".

وخلص شليم إلى أنّه "لا يمكن اعتبار نجاح نتنياهو الأخير في الانتخابات نصرا لرؤية التحريفيين للدولة، بل كان ذلك نصرا لقوى أشد سوداوية وشيطانية، يمكن أن ينتهي بها الأمر إلى تهديد وجود المشروع الصهيوني برمته. لا ريب أن دافيد بن غوريون يتقلب في قبره. وذلك هو حال زيف جابوتنسكي أيضاً"

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أميركا للبنان: أعلنوا وقف إطلاق النار من جانب واحد!