ظهور نادر
لم يظهر بوتفليقة (82 عاما)، الذي يعد أحد قادة حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي في مناسبة علنية إلا فيما ندر بعدما أصيب بجلطة عام 2013، لكنه صمد رغم الاحتجاجات الحاشدة على حكمه المستمر منذ 20 عاما.
حاول بوتفليقة صد موجة المعارضة التي بدأت في شباط الفائت من خلال التراجع عن قراره السعي لنيل ولاية خامسة في رئاسة البلاد، لكنه لم يعلن موعد تنحيه وتسليم السلطة مما أثار غضب المحتجين الذين ملأوا شوارع البلاد.
مسيرة حافلة
كان بوتفليقة من المناضلين في حرب 1954-1962 التي وضعت نهاية للحكم الاستعماري الفرنسي ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال، وأحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز، ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية.
ناصر بوتفليقة الدول التي ظهرت في أعقاب العصر الاستعماري وتحدى ما اعتبرها هيمنة من جانب الولايات المتحدة وساعد في جعل بلده مهدا للتوجهات المثالية في ستينيات القرن العشرين.
تشي غيفارا وعرفات
إستقبل بوتفليقة تشي غيفارا، وتلقى نلسون مانديلا في شبابه أول تدريب عسكري له في الجزائر. ومنحت البلاد حق اللجوء للناشط والكاتب الأمريكي إلدريدج كليفر الذي كان من أوائل قادة حزب الفهود السود. واستقبل كليفر في البيت الآمن الذي كان يقيم فيه في العاصمة الجزائرية الناشط الأمريكي تيموثي ليري المدافع عن تعاطي المخدرات في العلاج النفسي وأحد قيادات حركة الثقافة المضادة في الولايات المتحدة.
ودعا بوتفليقة بصفته رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ياسر عرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية في 1974 في خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.
إلا أنه بنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة في الداخل وسافر للعيش خارج البلاد. ثم عاد إلى الحياة العامة خلال صراع مع متشددين إسلاميين سقط فيه ما يقدر نحو 200 ألف قتيل.
الرئاسة الأولى
إنتخب بوتفليقة رئيسا للمرة الأولى عام 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة التي تكتنفها السرية وترتكز على الجيش.
وألغت الحكومة المدعومة من المؤسسة العسكرية انتخابات برلمانية في 1992 كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها، وفيما أعقب ذلك من صراع وقعت مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها وتعرض المدنيون في شوارع المدن للذبح.
وفي سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسي تحت حماية هواري بومدين القائد الثوري الذي أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد.
عهدة ثانية وثالثة ورابعة
وأعيد انتخابه في 2004 ثم في 2009 رغم أن خصومه قالوا إن الانتخابات شهدت تزويرا. ومن خلال سلسلة من المعارك الضارية على النفوذ مع قوى الأمن خلف الكواليس أصبح بوتفليقة مع بداية فترة ولايته الثالثة أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما.
وفي العام الماضي شدد قبضته على السلطة بعزل أكثر من عشرة من كبار قيادات الجيش.
مسقط رأسه
يقول بعض المؤرخين إن بوتفليقة ولد في تلمسان بغرب الجزائر غير أن آخرين يقولون إن وجدة الواقعة على الحدود المغربية هي مسقط رأسه.
أصغر وزير
وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام التالي عُين وزيرا للخارجية.
وأصبح بوتفليقة متحدثا باسم الدول التي خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري، ومنحته السمعة التي اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية.
مدافع عن قضايا العالم الثالث
وطالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة. وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة. فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء في الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ رهائن وقتلوهم.
وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات وهو يخاطب الجمعية العامة في نيويورك متمنطقا بجراب مسدس.
لقاء كارلوس
وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية وزراء نفط من اجتماع لأوبك في فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر.
والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس في المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.
العزل والمنفى
عندما توفي بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده، وتم عزله من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه في مخالفات مالية. وقال بوتفليقة إن هذه الاتهامات ملفقة في إطار مؤامرة سياسية.
وغادر الجزائر في أوائل الثمانينيات واستقر في دبي حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. وعاد إلى وطنه في 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية.
لا تذكر السجلات الرسمية له زوجة رغم أن البعض يقولون إنه تزوج عام 1990. وعاش بوتفليقة مع والدته منصورية في شقة بمدينة الجزائر حيث اعتادت أن تعد له الطعام.
وتقدم العمر بالرئيس الجزائري حاملا معه مشاكل صحية حيث أجرى أطباء فرنسيون جراحة له في 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة في المعدة، وجاء في برقيات دبلوماسية أميركية مسربة أنه مصاب بالسرطان. ونال منه الضعف بعد أن توفيت والدته في 2009.
هل حان الوقت؟
قال بوتفليقة في خطاب ألقاه في منطقة سطيف بشرق الجزائر في أيار عام 2012 إن "الوقت قد حان لأن يسلم جيله الراية لقيادات جديدة"، فهل يشكل نيسان الجاري موعدا لفتح صفحة جديدة في تاريخ الجزائر عنوانها خروج بوتفليقة من الحياة السياسية؟
وكالات