وكانت قوات سوريا الديمقراطية أعلنت في وقت سابق استسلام مئات من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم، قبل بدء هجومها الأخير على من تبقى من مقاتلي التنظيم في منطقة الباغوز، بعد تشبثهم بخيار القتال ورفض الاستسلام لها.
ووفقا لمراقبين، فإن مقاتلي التنظيم من جنسيات مختلفة، سواء المعتقلون منهم في السجون العراقية والسورية، أو الذين ينوون الرجوع إلى مواطنهم الأصلية، يشكلون قلقا لدولهم في كيفية معالجة حالاتهم وإغلاق ملفاتهم.
ويشير الكاتب والباحث العراقي المتخصص بشؤون الجماعات الإسلامية، هشام الهاشمي إلى وجود "تجارب سابقة للدول العربية في كيفية التعامل مع مواطنيها الذين مارسوا القتال مع تنظيمات دينية خارج أوطانهم، تراوحت بين برامج المناصحة كما في الحالة السعودية، وخيار التدابير الأمنية المخابراتية في حالات أخرى".
ورجح الهاشمي في حديث لـ"عربي21" ذهاب الدول العربية المعنية إلى خيار إبقائهم في السجون العراقية والسورية، وعدم السماح لهم بالرجوع إليها، وتشجيع الدولتين لإبقاء أولئك المعتقلين في السجون، والتفاهم بشأنهم بالطرق الدبلوماسية والسياسية أو دفع أموال مقابل إبقائهم هناك".
وأضاف: "لا يوجد لدى غالب الدول العربية قوانين تنظم رجوع أمثال أولئك إلى دولهم الأصلية، كما أنها تفتقر إلى مناهج ومنظومات متكاملة لإصلاحهم وإعادة تأهيلهم، ومن ثَمّ فإن تلك الدول لا تحبذ تكرار تجارب سابقة لم يكتب لها النجاح التام في التعامل مع حالات مشابهة".
من جهته لفت الكاتب التونسي، نور الدين الغيلوفي إلى أن "مناقشة هذا الملف تتطلب التفريق بين الدول العربية في معالجتها له، فتونس بلد ثورات الربيع العربي حققت قفزة نوعية في مسارها الانتقالي، وفي تعاملها مع ملف الإرهابيين "العائدين من بؤر التوتر" أو "العائدين من مناطق النزاع المسلح"، يختلف اختلافا جذريا عن تعامل غالب الدول العربية الأخرى، التي يمثل الحل الأمني المقاربة الوحيدة لديها".
وأردف قائلا: "تلك الدول لا تعامل مواطنيها باعتبارهم مواطنين محتاجين إلى رعايتها، ولكنها تعاملهم باعتبارهم أمراضا وجب استئصالها". مضيفا: "جرت في تونس أحاديث وندوات عديدة تتعلق بهذا الموضوع، وقد اختلفت المواقف بشأنه، خاصة بين منتسبي الأحزاب السياسية والجماعات الأيديولوجية".
وأضاف: "غير أن الدولة لا ينبغي أن تُستدرج إلى مربع الخلافات الحزبية والصراعات الأيديولوجية في معالجتها لهذا الملف الشائك، فالدولة مدعوة إلى الاحتكام لنصوص الدستور، وما تميله القوانين الجاري العمل بها في دولة ديمقراطية تحترم القانون، تُقدر الإنسان بشكل مطلقن وتراعي حقوقه بلا تمييز".
ولفت الغيلوفي إلى أن الفصل 33 من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015، ينص على أنه "يعد مرتكبا لجريمة إرهابية، ويعاقب بالسجن من ستة أعوام إلى اثني عشر عاما، كل من يتعمد السفر خارج تراب الجمهورية (التونسية) بغاية ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون، أو التحريض عليها أو لتلقي أو توفير تدريبات لارتكابها".
ورأى الغيلوفي أن "الدولة مدعوة إلى استعادة هؤلاء الإرهابيين، والاستفادة مما لديهم من معطيات أمنية، وهي مدعوة كذلك لمعالجتهم إن كانوا بحاجة إلى معالجات بدنية ونفسية".
وشدد الغيلوفي في نهاية كلامه على أن "الإنسان حتى لو كان مجرما يظل مواطنا، ليس لدولته أن تنكر انتماءه إليها، فواجب الدولة أن تطبق عليه القانون، وتعمل على إعادة إدماجه في المجتمع".
بدوره رأى الكاتب الفلسطيني المقيم في تركيا، أيمن خالد أن "مسألة تنظيم الدولة من أعقد المسائل وأخطرها؛ لأن عامة الدول الأجنبية والعربية عاجزة عن تحديد من تلطخت يداه منهم بالدماء من عدمه، ما يعني أن من لم يشارك بالقتال والقتل، هل هو بريء من ارتكاب جرائم أخرى كالخطف والاغتصاب وغير ذلك؟".
وقال لـ"عربي21" "إن التوجهات الفكرية لدى التنظيم غير مسبوقة، وهي أفكار يصعب تأهيل أصحابها، خصوصا مع وجود ظاهرة الانتحاريين الذين غادروا مناطق سيطرة التنظيم، وقاموا بارتكاب جرائم في أوروبا"، متسائلا: "كيف يمكن الثقة بهؤلاء؟".
وتابع، "إن الدول الأوروبية تعيش حالة من القلق بسبب التطرف الذي يمارسه أولئك على أراضيها، وفي الوقت نفسه تجد نفسها مضطرة للتعامل معهم كمواطنين استنادا إلى القوانين الأوروبية، ما يعني تضاعف مسؤوليتها بشأنهم".
وأشار خالد إلى أن "هذا الملف غير ناضج في مختلف الدول حتى الآن، وتفضل التريث فيه. أما عربيا، فترغب بعض الدول العربية باستعادة أبنائها لإغلاق ملفاتهم، ومساهمة منها في مواجهة الفكر المتطرف ومحاصرته".
وختم خالد حديثه بالتأكيد أن "جميع الدول – عربية وأجنبية – تنظر إلى مقاتلي التنظيم تماما كما تنظر إلى الفيروسات الخطيرة، ما يستوجب عزلهم لأجل غير مسمى، إذ لا أحد يمكنه المغامرة بإعادة تأهيل "داعشي" لصعوبة الثقة بالنتائج"، وفق وصفه.