العميد الدكتور عماد القعقور - الشراع:
شغل موضوع مكافحة الفساد في الآونة الأخيرة كل المحافل السياسية والاعلامية لأهميته في الدرجة الأولى على الصعيد الدولي، خصوصاً أننا على أبواب منح قروض والوقوع تحت دين جديد بعد مؤتمر ((سيدر)) الذي تعلق عليه الطبقة السياسية كل آمالها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ لبنان السياسي والاقتصادي.
طُرح هذا العنوان للتماشي مع الشروط الدولية المفروضة على لبنان من أجل أن تقبل الدول المانحة إعطاء هذه القروض، بعد أن وصلت إلى قناعة بأن ما أعطي في السابق ذهب هدراً ودون أن تقوم هذه السلطات بأي إصلاح أو تغيير، بل تقاسمت هذه الأموال وزادت الديون على كاهل اللبنانيين. إذ لا يمكن أن نملأ وعاء مهما تدفقت المياه فيه وهو دون قعر.
هذا على الصعيد الدولي. أما طرحه على الصعيد الداخلي فيعد شعبوياً لدى الأطراف السياسية التي طرحته في مجلس النواب. فالعامة متعطشة إلى محاسبة من سرقوا المال العام وأوصلوا البلد إلى ما وصل إليه. ويعد في الوقت نفسه حلبة مبارزة بين الأطراف السياسية باتهام بعضهم البعض من خلال لعبة ((أبطال وحرامية)).
كان أبرز ما طُرح في مجلس النواب وفي الاعلام قضية الـ 11 مليار دولار حيث قام النائب حسن فضل الله من كتلة الوفاء للمقاومة بإثارتها في جلسة الثقة للحكومة العتيدة وأتبعها بعدّة مؤتمرات وإطلالات صحفية كان آخرها تغطية وصوله إلى قصر العدل لتقديم شكوى مرفقة بكامل المستندات إلى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، وكل من تتبع هذه الحملة يعلم بأن المقصود هو رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة.
رداً على تلك التحركات والتصريحات، عقد الرئيس السنيورة مؤتمراً صحفياً دعا إليه كافة قوى 14 آذار للرد وشرح القضية سياسياً ومالياً للرأي العام وشد العصب السياسي للفريق المناهض لحزب الله.
اختلف المحللون حول ما قام به النائب حسن فضل الله وما رد عليه الرئيس السنيورة. منهم من اعتبر أن المعركة الجديدة بين الفريقين هي معركة محاربة الفساد وبالتالي تبيان من هو الفاسد ومن يحافظ على المال العام. وبدلاً من القتال عسكرياً يصبح التقاتل على المنابر وفي القضاء، وبالتالي اعتبروها معركة 7 أيار/ مايو بوجه آخر.
وراح بعض الاستراتيجيين أبعد من ذلك إذ اعتبروا أن حزب الله قد خاض هذه المعركة لشد العصب في كتلة المستقبل كون الرئيس الحريري المتراجع شعبياً بحاجة إلى مساعدة لشد عصب شارعه، ولا بديل للحزب عن الرئيس الحريري.
كل هذه التحليلات لا تهم المواطن ولقمة عيشه إذ ما يهمه فعلاً هو مكافحة الفساد بعيداً عن السياسة. إن المراقب الدولي والمحلي يريد أن يلمس جدياً ولو لمرة رؤية الفاسدين في السجن وأن لا تبقى قضية الفساد شبحاً لا شكل له ولا لون.
إذا كانت نية القيمين على الشأن العام صادقة بمكافحة الفساد، فلا يمكن اللجوء إلى الإعلام كمتراس لتبادل وتراشق التهم. كما أن قيام نائب من حزب الله باتهام رئيس وزراء سابق من كتلة المستقبل الذي رد عليه بدوره لخطأ جسيم من الجانبين، إذ يزيد التقاتل المذهبي من دون أن يعالج المسألة الأساسية وهي مكافحة الفساد. إلا إذا كان المقصود إجهاض العملية برمتها واستهلاكها بالإعلام كسابقاتها. تجدر الإشارة بأن بعض الملفات قد فتحت لبعض الموظفين في الاجهزة الأمنية وبعض الوزارات كالصحة والتربية بالتوازي.. بغض النظر عن موضوعيتها او حياديتها.
لكل داء دواء، فلمكافحة الفساد آلية قانونية وهناك مثل عامي يقول ((الدرج يشطف من أعلاه)). أولاً، على السلطة السياسية أن تقوم بتعديل الدستور إذ تنص المادة 70 منه بأنه تتم محاسبة الرؤساء والوزراء بجريمتي الخيانة العظمى والإخلال بوظائفهم. والمفارقة الكبرى أن المشرع وضع شرطاً لمحاكمتهم هو الحصول على إجماع ثلثي أعضاء مجلس النواب وحصوله يستوجب معجزة المعجزات. لذلك يجب تعديل هذا البند إلى النصف زائد واحد حتى لا يحصنوا إزاء الملاحقة. هذا التعديل استناداً للمادة 76 من الدستور يحتاج إلى اقتراح قانون من رئيس الدولة أو اقتراح من 10 نواب سنداً للمادة 77، عندها تصبح الملاحقة معقولة.
هذا من ناحية. أما الناحية الأهم في ما خص مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء المؤلف من 7 نواب و8 قضاة ولمحاسبة بقية الموظفين من مدير عام وما دون نحن بحاجة إلى تطبيق مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء. إذ على السياسيين أن يرفعوا ايديهم عن مؤسستي القضاء والأمن كي تسير عملية المحاسبة والملاحقة بالطريق السليم.
لا يمكن لقاضٍ أو مسؤول أمني أن يقوم بواجبه وهو يدين بالولاء الكامل للزعيم السياسي وليس لقسمه أو لدولته وإلا نكون ندور بحلقة مفرغة.
إذا لم تطبق هذه الآلية من تعديلات دستورية وتكريس مبدأ فصل السلطات وتحرير القضاء والأمن من قبضة السياسة فعبثاً نحاول.
أستطيع أن استنبط ما سيحصل في هذه الزوبعة والعراضة إذا جاز التعبير، إذ ستنتهي كما انتهت سابقاتها في الإعلام أو سيحاسب بعض صغار الموظفين، ويصبح القانون كخيوط العنكبوت تعلق به صغار الحشرات وتمزقه كبار القوارض.