في دراسة أجرتها جمعية "مبادرات وقرارات" لمعرفة أسباب توجه الشباب نحو الإرهاب والمخدرات وآفات المجتمع، تبين أنّ نسبة البطالة في لبنان بلغت 36%، أي 660 ألف شخص عاطلون عن العمل، يضاف إلى هذ العدد 800 ألف سيدة ربة منزل من حاملي الشهادات من دون عمل. هذا الرقم ليس رسميًا بحيث تغيب الدراسات الرسمية، والنسب تتفاوت بين دراسة وأخرى، ومنها ما أعلنته مؤسسة "لابورا" للتوظيفات عن أرقام مرتفعة للبطالة في صفوف الشباب الذين تترواح أعمارهم بين 23 و26 عامًا، والتي وصلت إلى 60%.
وفقًا لتقرير البنك الدولي يدخل 23 ألف فرد سوق العمل اللبناني سنويًا، ويحتاج الإقتصاد لاستيعابهم إلى خلق أكثر من 6 أضعاف عدد الوظائف الموجودة أساسًا. وتشير التقديرات التي أصدرها البنك الدولي إلى أنّ معدل البطالة في لبنان بلغ في العام 2018 نسبة 25 % وتجاوزت النسبة 36 % في صفوف الشباب. البنك الدولي وفي دراسة له بعنوان "عرض عام للوضع في لبنان" بتاريخ 1 نيسان 2017 " قدّر أنّه نتيجة للأزمة السورية، بوجه خاص، فإن نحو 200 ألف لبناني آخرين قد سقطوا في براثن الفقر، ليُضافوا إلى الفقراء السابقين البالغ عددهم مليون شخص. وتذهب التقديرات إلى أن ما بين 250 و 300 ألف مواطن لبناني، معظمهم من الشباب عديمي المهارات، قد أصبحوا في عداد العاطلين عن العمل.
يعيد الخبراء في مجال الإقتصاد أسباب ارتفاع معدلات البطالة إلى جملة عوامل، وأبرزها تراجع الإستثمارات في المشاريع، غياب سياسات حكومية واضحة لسوق العمل، الفارق الشاسع بين متطلبات سوق العمل وبرامج إعداد الكادرات المهنية والتقنية في الجامعات، تتابع الأزمات السياسية، أزمة النزوح السوري والمنافسة الشرسة من قبل اليد العاملة السورية ، إضافة إلى الأزمة المالية العالمية التي أدت الى صرف لبنانيين عاملين في دول خليجية وأوروبية ودول شمال أفريقيا بغياب خطط حكومية لاستيعابهم. هذه الأزمة الإقتصادية دفعت بـ 2200 شركة ومؤسسة لبنانية على إقفال أبوابها وتتسريح العاملين فيها بحسب الرقم الذي أعلنته الهيئات الإقتصادية العام الماضي.
الحكومة تعتبر نفسها أنّها أنجزت ما عليها، من خلال خطّة قدمتها إلى مؤتمر سيدر، تقضي بتمويل مشروعات توفر 900 ألف فرصة عمل من خلال برنامج الحكومة لتأهيل البنية التحية، وهو رقم شكّك به عدد من الإقتصاديين ، إضافة إلى مخططها القاضي بإزالة المؤسسات الإقتصادية التي أقامها السوريون وشكلت منافسة غير شرعية . أمّا المؤسسة الوطنية للإستخدام التي أنشأتها الحكومة عام 1977 فتبدو غائبة عن المشهد برمته.
اليوم مشاريع "سيدر" وأمواله لم تترجم فعليا بانتظار الإصلاحات التي اشترط المانحون على الحكومة اللبنانية تنفيذها قبل منح القروض والهبات، وأزمة البطالة تتفاقم وتنذر بكارثة اجتماعية، في وقت تغيب المبادرات الرسمية والخاصة على حد سواء.
مبادرة يتيمة أطلقتها لجنة الشباب والرياضة النيابية معلنة أن سنة 2019 ستكون سنة خلق فرص عمل للشباب . "لبنان 24" سأل رئيس اللجنة النائب سيمون أبي رميا عن كيفية ترجمة هذا الشعار فأوضح أبي رميا أنّهم انطلقوا من الدراسة الإحصائية على مستوى كل المناطق اللبنانية التي أنجزها الاتحاد الاوروبي بالتعاون مع جمعية منتدى الشباب اللبناني، والتي أظهرت أنّ 85% من الشباب اللبناني همّهم الأساسي تأمين وظيفة، "فيما نحن نتلهى في أمور لا طائل منها، بمعنى أنّنا لا نملك إمكانية التأثير في مسارها، كالمواضيع الإقليمية وصراع المحاور . ولأنّ هذه الملفات تتخطى قدرة لبنان وجب علينا أن نركّز أولوياتنا على حل مشكلاتنا الداخلية والتخفيف من وطأة هجرة الشباب خارج لبنان. وهذا الهدف لا يتأمن إلّا من خلال خلق فرص عمل للشباب، من هنا أعلنا هذه السنة السنة الوطنية من أجل خلق فرص عمل للشباب".
أبي رميا أوضح أن تحرك اللجنة سيكون من خلال التعاون مع وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للإستخدام "بحيث سنقوم بتنظيم ورش عمل ولقاءات مع المؤسسات المعنية على مدى عام كامل، بهدف الوصول إلى نتائج تحفّز الشركات على توظيف الشباب".
وعن الإستفادة من مشاريع سيدر رأى أبي رميا أنّها ستكون مفيدة لتحريك الدورة الإقتصادية وخلق فرص عمل "ونحن في لجنة الشباب والرياضة سيكون لنا الدور الريادي في هذا الموضوع وحض المؤسسات المعنية على تحقيق هذا الهدف ".
على أمل أن تتمكن اللجنة النيابية على الأقل من وضع أزمة البطالة في أجندات الوزارات المعنية ، علّ الحكومة وأركان السلطة يضعون جانبًا تصفية الحسابات والمناكفات فيما بينهم، وينصرفون إلى القيام بواجباتهم تجاه المواطن بعد تسعة أشهر من الجمود، ولو أنّ المؤشرات لغاية اليوم لا توحي بأن اهتمامات المسؤولين تتلاقى وحاجات المواطنين.